المحبشى ينعى وفاة السقاف: فيما يشبه الرثاء.. حينما مات فكّر بالولادة

بيان

توفى المفكر والفيلسوف والكاتب اليمنى الكبير أبو بكر السقاف، أمس الثلاثاء 13 ديسمبر الجارى ، عن عمر ناهز 88 عاماً كان قضى ردحا منها، استاذاً للفلسفة في جامعة صنعاء، حاملا شعلة التنوير وداعياً للعدالة، ومناضلا لأجل أن يرى وطنه اليمن وقد تحرر من الجهل، والظلم، والإرهاب، وعاد كما كان فى سالف الأيام، يمنا سعيدا.

وفى نعى الفيلسوف الذى وافته المنية، اختص صنوه ونظيره وبنى جلدته الفيلسوف الكاتب د. قاسم المحبشى “موقع بيان” بهذه السردية:

” كم هو مؤلم وفاجع وصادم أن يموت أعقل عقلاء اليمن مغتربا بعد أن اوسعته السلطة الرسمية للمؤسسات التقليدية التي تشبه الوياثان ( الوحش ذي الثلاثة الرؤؤس الخالية من العيون) هي أفواه فقط لا تعرف غير الافتراس والبلع لكل ما يقع تحت نظرها).

القبيلة الجاهلية الممثلة بشيخ حاشد والمؤسسة الفقهية الراسخة الممثلة بشيخ الإخوان الزنداني والمؤسسة السلطانية الممثلة بدولة الحرب والفساد العفاشية وصاحب الفرق الأولى مدرع محسن الأحمر.

ثلاثتهم اجتمعوا في ليلة ظلماء في صنعاء واتفقوا على خطف الكاتب المفكر أبو بكر السقاف من منزله بعد منتصف الليل وأخذه إلى وادي سحيق بين الجبلين وضربه ضربا مبرحا عقابا عن ما كتبه.

وهكذا واجه استاذ الفلسفة المدني الاعزال من كل سلطة ما عدا سلطة العقل والقلم.

كل المؤسسات التاريخية التقليدية المسنودة بكل عناصر القوة والبطش والسلطان اجتمعت في ليلة ليلا لسحق إنسان واحدا وحيد هو أبو بكر السقاف.

البارحة مات مغتربا عن الوطن الذي أحبه وبذل كل ما بوسعه من أجلها؛ وطنا جديرا باسمه اليمن السعيد الذي كان يحلم به.

سقطت اللوياثان المتوحش بعد أن انجب لوياثانا على صورته ومثاله ولكنه أكثر مسخا طائفيا مزيجا من كل اوساخ التاريخ التي قامت التطهر والتجاوز المفترض.

لروحك السلام والطمأنينة استاذنا العزيز أبوبكر السقاف. نم قرير العين فقد وصلت رسالتك وصرت رمزا خالدا والرموز لا تموت ابدا.

فمن لبج ذهب ومن كتب عاش حيا. يصف بورخس حال أفلاطون وهو يكتب المحاورات واصفا حال أستاذه سقراط :” لم يكن يعرف الصفحة الأخيرة وهو يكتب الصفحة الأولى كان يترك ذكاءه يهيم شاردا… يخيل إلي أن هدفه الأساسي كان الوهم بأن سقراط مازال يرافقه على الرغم من أن سقراط …( ) يراودني إحساس أن أقتفي اثر بورخس وهو يقتفي اثر أفلاطون في تخيله أساتذته وكأنهم أطياف حاضرة تحيط به .

اقرأ ايضا:

أتخيل بأن أبو بكر السقاف يرافقني كطيف يحيط بي لكن من المؤلم والمحزن أن يدرك المرء، بعد فوات الأوان أنه ليس بإمكانه أن ينهل من النبع مرتين! فحين يغيض النبع ـ مرة وإلى الأبد ـ دون أن نغرف منه ؛ لا تتكشف الأسئلة الحارقة عن غياب سهولة الارتواء من النبع؛ بل عن غياب الجدوى التي تضمر فقراً وذهولا عن الانتباه لعابر هائل مر بنا ( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة ) لقد اتسعت الرؤية لدية ربما حاصرته تلك التأويلات، في هذه العوالم الخرساء، وزمان النكوص ( لكم تخذل المرء سيماؤه، ولكم يجهل الناس ما يعرفونه ، وهل أنت ، إلا الذي جهلوه ؟)

مات المعلم الذي عاش دون أن يشك بان الفجر صالح لكل الأعمار، وأن الشمس تشرق كل يوم من جديد وأن الحرية تنتزع بارادة الأحرار ولا تمنح للعبيد.

حينما مات فكر بالولادة وكتب تلك العبارة: هنا غرست شجرة الحياة التي سوف تنمو وتزهر وتثمر بالألف الرجال والنساء الأحرار؛ أطباء ومهندسين وتجار وفلاسفة وعلماء ومعلمين ورجال دين وكتاب وصحفيين وسياسين ومثقفين وشعراء وفنانين وصيادلة وعمال وفلاحين وعسكريين ومن كل الاختصاصين والأجيال هم وهن من تزهر بهم شجرة الحياة؛ حياة الأوطان وعلى هذه الأرض التي تضم رفاة أسلافنا… على هذه الأرض التي رويت بدماء شهدائنا .. وفي هذه الأرض التي سقيت بعرق جباه آباءنا سيزهرون ويثمرون على أغصان شجرة الحياة الدائم الاخضرار بألف وجه ووجه من الجمال الفتان.

وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة!”.

زر الذهاب إلى الأعلى