محمد جادالله يكتب: الفلسفة.. كفر وإلحاد أم فكر وإيمان؟
اليوم ونحن في منتصف القرن الحادي والعشرون، مازال منا من ينظر إلى الفلسفة نظرة سطحية، تمتاز بالجمود والعقم الفكري. وهو ما أدى إلى اتهام الفلسفة بالكفر، بل وتكفير كل من يشتغل بها سواء من الناحية التدريسية والبحثية، أو حتى قراءتها. حتى وصل الأمر إلى وقف تدرسها بالمدارس والجامعات، وهو ما حدث فعليًا بدولة السعودية مُنذُ ما يقرب حوالي عشر سنوات. والسؤال الآن، هل تدعو الفلسفة حقًا إلى الكفر والإلحاد؟
أعزاءي القراء دعونا نتفق منذ البداية أن قراءتنا للتاريخ الفلسفي لا تعني ابدًا اتفقنا مع كل ما جاء به، سواء من الناحية الدينية أو غيرها. ولنتفق ايضًا أن ننظر للتاريخ وما جاء به نظرة وقتيه، أي بعين الزمن الذي ولد فيه هذا الفكر. فلنأخذ من التاريخ الفلسفي ما يناسبنا ومع يتفق مع عقيدتنا.
إلا أن المدهش في الأمر أن هناك رجال دين حاصلون على درجات علمية عليا مازالت لديهم تلك النظرة الضيقة اتجاه الفلسفة، بل وصل بهم الامر إلى حد تحريمها. وهو ما سمعته من طالبة بقسم الفلسفة جامعة القاهرة، حين قامت في مؤتمر عُقِد بقسم الفلسفة سنة 2019م، وقالت انها بعد حصولها على الثانوية العامة قررت دخول قسم الفلسفة حبًا في دراستها، إلا ان والديها عارضوها لسماعهم انها كفر وإلحاد. فأقنعوها بزيارة دار الافتاء المصرية للتأكد من الأمر، فأجابهم المسؤول عن هذه الفتوة بحرمانية دراستها وأن تقوم بدراسة شيئًا آخر غيرها. لنقف هنا ونتساءل، هل هذا منطق يقبله عقل يا سادة؟
ليس معنى أن مفكر أو فيلسوف كتب نظرية أو فكرة تتعلق بالألوهية أن نقبلها كما هي أو نسلم بصحتها دون نقاش معها، فهذا ضد ما يدعوا إليه ديننا الحنيف، من أعمال العقل فيما هو يكتب. وأمرنا الحق تبارك وتعالى في أكثر من موضوع في كتابه الحكيم بإعمال العقل والتفكر والتدبر في جميع شؤون الحياة والدين، فمثلًا في سورة الزخرف (الآية – 3) (إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون). وفي سورة البقر (الآية – 44) (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). وكما ذكرنا آنفًا علينا أن ننظر للتاريخ وما جاء به نظرة وقتيه، أي بعين الزمن الذي ولد فيه هذا الفكر.
هذا دليل واضح يبطل ادعاء هؤلاء من متحجري العقول، على أن الحق تبارك وتعالي دعانا خلال آياته القرآنية من اعمال العقل من خلال التباحث والفهم لشؤون الدين والدنيا. وعلينا أيضًا أعزاءي القراء ألا نتسرع في الحكم على التاريخ الفلسفي سواء بالتكفير أو الرجعية، بل علينا أن نفهم ونتدارس هذا الفكر لِمَا يحمله من دلالات اتجاه الانسان، قادرة على تغيير حياته وحل مشكلاته بطريقة عقلية وصحيحة ومنظمة، وهنا يجتمع هدف الفلسفة والدين وهو اعمال العقل من أجل تحقيق الهدف المنشود، والآن يمكننا الإجابة عن تساؤلنا موضوع المقال، الفلسفة.. كفر وإلحاد أم فكر وإيمان؟