د. ناجح إبراهيم يكتب: تأملات في ميلاد المسيح

«وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا».. هذا كلام الله فى المسيح عيسى ابن مريم، وقد كتب د. ناجح إبراهيم مقالا يقطر محبة بعنوان “تأملات في ميلاد المسيح”، يستلهم فيه رسالة هذا النبى، سلام الله عليه، ونشر المقال فى صحيفة “الشروق” وهذا نصه:

رسالة المسيح يمكن تلخيصها فى كلمة واحدة هى الحب، وأعظم شعار لدعوته هى هتافه العظيم «الله محبة»، فمن أحب بحق وتضلع قلبه من الحب، فهم رسالة المسيح وأدرك من معانيها ومغزاها الكثير، ومن حقد وكره وانتقم من خصومه فهو أبعد ما يكون عن هذه الرسالة العظيمة، فحيث تكون المحبة يكون الله كما يقول المبدع العظيم نصرى سهلب.

«الله محبة» تعنى فيما تعنى أنك لن تعرف الله حقا وصدقا إلا إذا أشرق قلبك بأنوار محبة الله وتوحيده فإذا أشرق حب الله فى قلبك أحببت الكون والناس والحجر والمدر، حتى لا يترك هذا الحب فى قلبك ضغينة لأحد، حتى تحب خصومك وأعداءك فتنصف معهم ولا تظلمهم وقد تعفو عنهم إذا تمكنت منهم ولا تنتقم لنفسك، فتدور حول معية الله فتكون لله وبالله ومع الله، دون سواه موحدا له عابدا وخاشعا له سبحانه وحده دون سواه، دائرا مع مراد الله لا مرادات نفسك وهواك.

أصعب وأخطر ثلاث لحظات فى عمر الإنسان هى لحظة الميلاد ولحظة الوفاة ولحظة البعث وقد سلم الله عيسى عليه السلام فى تلك اللحظات الثلاث الخطيرة.

قال تعالى: «وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» فقد سلمه الله فى أصعب اللحظات وخاصة أن ظروف السيد المسيح كانت تختلف فى المراحل الثلاث عن الناس جميعا، فلم يتعرض أحد فى ولادته لمثل هذه المصاعب فى تاريخ الإنسانية كلها حيث تربص به الجميع ولكن الله سلمه وكرمه ونجاه «وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» فلم يسأل نبى فى الآخرة كما سيسأل المسيح ابن مريم عن كل الذين ولغوا فيه بالإفراط أو التفريط.

طالع المزيد:

أعظم كلمة قيلت فى التاريخ هى كلمات النجاشى ملك الحبشة الذى قال بعد سماعه سورة مريم من جعفر بن أبى طالب، وكان النجاشى مسيحيا وقتها «إن الذى قلتم والذى جاء به عيسى ابن مريم ليخرج من مشكاة واحدة».

وهى كلمة عبقرية عظيمة من ملك مخضرم، إنها مشكاة السماء، مصدر واحد لكليهما من الله سبحانه وتعالى، خالق الخلق ومرسل الرسل، الذى اصطفاهم واختارهم وصنعهم على عينه ليكونوا من صفوة البشر وحملة الرسالة والوحى.

سيدنا عيسى ابن مريم وأمه مريم عليهما السلام هما أعظم السياح إلى مصر، واللذان قدما من بيت لحم بفلسطين وجابا مصر من رفح إلى العريش إلى تل الفرما بالقنطرة شرق إلى تل بسطة جنوب الزقازيق ثم دقادوس، ميت غمر، سندبيس، فاقوس، صان الحجر، ميت سمنود، سمنود، بلقاس، المطلع، سخا، دسوق، كفر الزيات، تركوث «المطرانة الآن»، وادى النطرون، الهوكارية خلف الرست هاوس الآن، القناطر الخيرية، المطرية، تل اليهودية، عين شمس، الزيتون، الازيكية، حى زويلة، الفسطاط، بابليون، المعادى، الفشن، مغاغة، دير الجرنوس، البهنسا، القيس، سمالوط، جبل الطير، أطسا، الاشمونين، ديروط الشريف، صنبو، القوصية، وفيها وحدها بنيا بيتا ومكثا فيه فترة طويلة نسبيا 190 يوما «ستة أشهر وعشرة أيام».

وقد شرف الله بلدتينا ديروط والقوصية بأطول فترة عاشها المسيح وأمه فى مصر.

أشبه الناس بالمسيح هو آدم عليه السلام، وكلاهما يمثل مظهرا لقدرة الله سبحانه على الخلق دون وجود الأسباب، فآدم خلقه الله دون أب وأم، أما المسيح فخلقه الله دون أب، إنها طلاقة القدرة التى لا تحدها حدود أو أسباب، ولذلك ورد ذكر آدم والمسيح كثيرا فى القرآن وبنفس عدد المرات، وأهمها قوله تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ».
معظم معجزات المسيح لخصها القرآن فى آية واحدة، يحكى فيها المسيح عن رسالته ومعجزاته «وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ».

وسواء ولد المسيح عليه السلام يوم 23 ديسمبر أو الأول من يناير أو 7 يناير أو فى موعد آخر فإن تاريخ مولده لا يهم إلا الباحثين، أما عموم الناس فالمهم هو الاقتداء برسالة المسيح التى تتلخص فى عبادة الله وتوحيده والمحبة والتسامح والعفو والإحسان.

أفضل أبيات أحب أن أرددها فى ذكرى مولد محمد والمسيح قول الشاعر:
لعمرك ما الأديان إلا نوافذ *** ترى الله منها مقلة المتعبد
فألمح فى القرآن عيسى بن مريم *** وأقرأ فى الإنجيل روح محمد

زر الذهاب إلى الأعلى