إسلام كمال يكتب: «الفوضى الخلاقة الكازاخية».. الموجة الفوضوية الجديدة !

لن يرى البعض الرابط كبير، بين الاضطرابات التى تشهدها كازاخستان، تاسع أكبر دولة في العالم، وتطورات المشهد في الشرق الأوسط .. وقد يتصور آخرون إنها مبالغة غير واقعية، لكنى فقط أعيدهم للوراء قليلا، حينما كانت ما تسمى بالثورة الأوكرانية البرتقالية في ٢٠٠٥ محركا كبيرا لاضطرابات في الشرق الأوسط انتهت بما أسموه بالربيع العربي، حتى إن هناك قوى وصفت نفسها بالثورية، شكلت في دول بالشرق الأوسط على إنها امتداد لأفكار الثورة البرتقالية، وأخذت حتى لونها، وشاركت في الانفجارات السياسية التى شهدتها المنطقة، ما بين تونس ومصر و والبحرين وسوريا وغيرها.

وبالمصادفة، أو غيرها، تحولت أوكرانيا لكلمة سر رابطة بين متغيرات الأحداث في العالم، وبالذات الشرق الأوسط، فها هى من ضمن المحاور الأساسية المثيرة في علاقات الناتو وروسيا، على خلفية التوترات التى تصل للساحات العسكرية أحيانا بين كييف وموسكو، لكن أكثرها في الغرف السياسية، حتى الآن على الأقل.

ومن الواضح جدا، أن الأزمة الكازاخية، أضيفت للمنغصات الروسية الأمريكية، التى تؤثر بشكل كبير على الأوضاع العالمية الجديدة، بما فيها المستجدات في الشرق الأوسط، الذي يترقب فيه البعض موجات جديدة من الاضطرابات الشعبية والسياسية، مع استمرار السيولة في عدة دول، وترشحها للعودة في دول أخرى.

والمتابع للمشهد الكازاخى المعقد، سيرى أننا نعيد الموجات السابقة للاضطرابات الشعبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط، لكن بطبعات متطورة بشكل أكثر تعقد، مع ملاحظة التشابه الكبير، فالاضطرابات في آلما تا لا تختلف، بل تكاد تتطابق مع الاضطرابات في الخرطوم، لكن التطورات هناك متسارعة بشكل كبير ودموية أكثر منها في الخرطوم، ولولا الوقفة الروسية مع النظام الكازاخى لسقط، وجر وراه عدة أنظمة من الممكن أن تكون منها ما هو في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضا للكاتب:

 

الموقف الأمريكى من الأزمة الكازاخية، لا يقل تعقيدا من الموقف الروسي، خاصة إن واشنطن مصرة على اللعب في الحظيرة الخلفية لروسيا للنخر في الأمن القومى الروسي، من خلال دول الاتحاد السوڤيتى القديم، ولن تهدأ الأمور قريبا، وبالطبع يتضرر من ذلك الشرق الأوسط بشكل أو آخر، من خلال الطبعات الجديدة من هذه الاضطرابات الشعبية ذات الأبعاد الاقتصادية، لأن أغلب دول المنطقة تعيش تقلبات بأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية لأسباب عدة منها تأثيرات ما يسمى بالربيع العربي، بكل ضرباته التى لطمت المنطقة، وبالذات الدول العربية، بخلاف البرامج الاقتصادية القاسية التى تعانى منها شعوب المنطقة.

وزاد الطين بلة معدلات التضخم العالمية التى تضرب الكوكب، على خلفية كورونا والاحتباس الحرارى والتى جعلت هناك تشابها كبيرا بين معانات كل الشعوب، فلا فارق بين أنين المواطن الكازاخى الذي خرج اعتراضا على الارتفاع الكبير المفاجئ في أسعار الغاز المسال، ومعاناة المواطن العراقي من سرقة إيرادات بتروله من القوى الداخلية والخارجية، والتيه الذي يعيشه المواطن الليبي مع تأجيل الانتخابات بأبعاد هذه الأزمة المعقدة.

ولا يمكن أن ننسي المواطن اللبنانى، الذي يذوق الأمرين لأسباب عنقودية لا يمكن حصرها في هذه الشبه دولة، بخلاف التوترات التى تعيشها السودان وإثيوبيا، والمفارقة أن الأمم المتحدة شريك في كل هذه المشاهد بتلوناتها، حتى إنها متورطة في بعضها، إن لم تكن كلها.

الأمر مرشح لما هو أعقد، نترقب الطبعة الجديدة من الاضطرابات، ونقطة الانفجار المقبلة، بإطلالات التدخلات الدولية المختلفة، خاصة أن النسخة الكازاخية كانت في غاية التعقيد من كل الأطراف، النظام وداعميه والمعترضين وداعميهم، ولم يعد الأمر في إطار الثورات السلمية، مما يؤهل المشهد لأحداث أكثر دموية وأشد فوضوية، وكان الأمر طالبانى النزعة أكثر من سلمى كما سبق!

وكان التدخل الروسي الحاسم كفيل بوقف التدهور في المشهد الكازاخى، من بوابة قوات منظمة الجماعى، التى تشمل أغلب دول الاتحاد السوڤيتى القديم، حتى أن الرئيس الروسي بوتين قالها مباشرة، خلال جلسة افتراضية استثنائية لمجلس الأمن الجماعي، أن بعض القوى الخارجية والداخلية استغلت الوضع الاقتصادي في كازاخستان لتحقيق أغراضها، واتخذنا إجراءات مهمة لمنع تدهور الأوضاع، وهذا هو القرار الضروري وفي الوقت المحدد.

وشدد بوتين على الدور الخارجي في هذه الاضطرابات وغيرها بقوله إن دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي أظهرت أنها لن تسمح بـ”ثورات ملونة” جديدة، في إسقاط على الثورة البرتقالية الأوكرانية، التى كانت تحاول قوى ما استعادة أجواءها.

وأكد بوتين تخوفي من تحول موجات الاضطرابات الشعبية القادمة لإطار أكثر دموية من كونه يرفع الشعارات السلمية فيما سبق، في تحور جديد لفيروس “الثورات الملونة” بقوله أن الأحداث الأخيرة في كازاخستان، تؤكد أن بعض القوى لا تتردد في استخدام الفضاء الإلكتروني والشبكات الاجتماعية في تجنيد المتطرفين والإرهابيين، وتشكيل خلايا نائمة من المسلحين”!

وعلى الجانب الآخر كان الموقف الأمريكى مباشرا في الرفض التام للتدخل الروسي، وحذرت الإدارة الأمريكية بكل جنباتها من خطورة هذا الموقف، حيث من الصعب إخراج الروس من أية دولة يدخلونها، وفق قول واشنطن، مما جعل موسكو ترد بكلمات مفحمة لها، تذكرها بجرائمها الدموية والحقوقية ضد الشعوب الأفغانية والسورية والعراقية واليوغسلافية والڤيتنامية والبنمية وغيرها، ولا ننسي الهنود الحمر طبعا!

وهذا التلاسن الروسي الأمريكى، ما هو إلا انعكاس لخطورة هذه المخططات ومضاداتها، ويؤكد على مؤشرات في غاية التعقيد لا يمكن حصرها!

وأخيرا، وإن كان صعبا الإسقاط بشكل أو آخر، فهل يمكن أن يكون لقوات حفظ سلام عربية تابعة للجامعة العربية، دورا ما في منع أى تدهور في أية دولة عربية؟!، على شاكلة تدخل قوات منظمة الأمن الجماعي التابعة للكومنولث الروسي، أم أن التلونات والتمذهبات والأچندات والمصالح المتضاربة، تؤكد فشل التجربة، والتدخلات العربية في سوريا واليمن كافية كدليل على ذلك؟!

زر الذهاب إلى الأعلى