محمد الحنفي يكتب: هل تحولت “السوشيال ميديا” إلى منصات لانتهاك الحرمات؟!

طرح الكاتب الكبير محمد الحنفى، سؤالا بات ملحا، ومقلقا، واحتارت البرية فى الإجابة عنه.

وموضوع السؤال الذى طرحه الكاتب فى مقاله المنشور في مجلة المصور، فى عددها الصادر قبل ساعات يناقش حالة الفوضى التي تعيشها وسائل التواصل الاجتماعي في مصر والتي خرجت بها عن مسارها وأهدافها بشكل يهدد استقرار المجتمع وينتهك حرماته ويتعدى على خصوصيات أفراده.
ويقول الحنفى إنه كتب المقال قبل أن تحدث انفراجة في أزمة مدرسة المنصورة، ويؤكد أن هدف المقال توعوي في المقام الأول، ويطالب الكاتب في مقاله بتغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم الإنترنت.

وفى التالى نص المقال :

تعيش السوشيال ميديا في مصر الآن حالة من العبث والفوضى ، دون ضابط أو رابط .. فتحولت من وسائل اتصال تقرّب بين البشر وتقوي علاقاتهم ، إلى منصات لخرق القيم الأخلاقية والدينية وانتهاك للخصوصية وتدمير حياة الآخرين ، مثلما حدث مع الصبية المنتحرة “بسنت خالد” التي هز خبر انتحارها الرأي العام.. أًو ما يحدث الآن مع معلمة المنصورة ” آية يوسف ” التي انقلبت حياتها رأساً على عقب بسبب “رقصة” في رحلة ترفيهية مع زميلاتها وزملاءها على سطح مركب نيلي، لتصبح “تريند” على صفحات السوشيال ميديا والمواقع الإلكترونية والفضائيات المحلية والعالمية .
حتى الآن لم تتوقف عواصف الفضيحة التي نالت من الضحية البريئة “بسنت” ذات الـ 16 ربيعاً .. الفتاة المعروفة بحسن الخلق والتدين ” من حفظة القرآن الكريم “، آثرت الانتحار حتى تتخلص من ابتزاز وظلم ، ذئبين متوحشين من أهل قريتها نسبا لها صوراً مخلة مفبركة ، وشيرا تلك الصور على هواتف شباب القرية عبر تطبيق الواتس أب!. الضحية لم تخبر أسرتها بالأمر وفضّلت مواجهة الشائعات بمفردها ، حرصاً منها على عدم تسرب الخبر لوالدتها التي تعاني من جلطة أثرت على حركتها ، أو تطال سمعة والدها وشرفه .. فلا تزال المصائب تترى على أسرتها ، هاهو جدها يلحق بها بعد 3 أيام من انتحارها حزنا عليها !.
وهاهي “آية يوسف” معلمة المنصورة تدفع الثمن غاليا بسبب “رقصة ” روحت بها عن نفسها وربما خففت ما تعانيه من ضغوطات أثناء مشاركتها في رحلة ترفيهية خاصة ، بعيدة تماما عن الحرم المدرسي ، وسط مجموعة من زملائها وزميلاتها وأسرهم الذين اعتبرتهم بمثابة أسرتها فرقصت مع بعضهم بحرية ، وبكل أسف كان بينهم من يتربص بها ، فقام بتصويرها دون علمها وقدم المقطع المصور مصحوبا بشكوى يتهمها فيها بارتكاب فعل فاضح وجريمة خادشة للحياء ، متناسية مهنتها السامية كمربية فاضلة نالت منذ أيام شهادة تكريم من إدارتها التعليمية كمدرسة مثالية !
وبالفعل تمت إحالتها للتحقيق ومن رقصوا معها ، ونالت من التجريس ما يفيض .. لتكتمل فصول مأساتها بخراب البيت .. فهاهو زوجها يتخلى عنها ويطلقها ، وهاهي وزارة التربية والتعليم تفصلها من وظيفتها التطوعية ، حتى أهلها ومعارفها نبذوها وحقّروا من شأنها .. أما نقابة المعلمين فقد تبارت هي الأخرى في ذبحها حين وصفت واقعة رقصها بالفعل الفاضح الذي يمثل إهداراً لـ«هيبة المعلم» ! مع أن الواقعة تمت أثناء رحلة خاصة خالية من التلاميذ وليس فى المدرسة ، كما صادر دعاة الشرف ورسل الفضيلة حقها فى ممارسة ما يرفه عنها .. وربما تدفعها كل تلك الأمور إلى الانتحار ! .
ولا نعرف حتى الآن هل اتُّخذ إجراء ضد مصور الفيديو أم لا ؟ مع أنه الجاني الذي يستحق العقاب والمسائلة كما تقول المحامية نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، التي أكدت في عدد من المواقع الإليكترونية والفضائيات على أن نشر فيديو لمعلمة وهي ترقص، يعتبر تلصصا وجريمة من جرائم الإنترنت يعاقب عليها القانون، ومن حق المعلمة التي ظهرت في الفيديو والمعلمين الذين ظهروا معها ، أن يتقدموا ببلاغ للنائب العام، خاصة وأنه المصور لم يحصل على إذن منهم لتصويرهم ، وانتقدت “نهاد ” تصرف وزارة التربية والتعليم بقولها “بأي صفة تحقق الوزارة في واقعة الرقص ؟ طبقا لقانون العمل هناك تعريف واضح ومحدد لمكان العمل، وتساءلت : هل إذا سقط أحد المعلمين في النيل، ستعتبرها الوزارة إصابة عمل؟
فحدود الوزارة لا تتخطى مكان العمل، إلا لو اعتبرت الرقص في رحلة ترفيهية سلوك “مخل” بالشرف، وهو أمر لا علاقة له باللوائح”.
قطعاً لم يكن الهدف من ابتكار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التشهير أو التحقير أو الابتزاز أو انتهاك الخصوصية أو التعدي على الحياة الشخصية ، بل كان استثمارا لثورة الإنترنت ، من أجل التواصل بين البشر على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم وأماكن تواجدهم ، ربما بهدف تفريغ الشحنات السلبية داخلهم ، أو كمنصات لتبادل الأخبار أو مناقشة القضايا وطرح الحلول وإبداء الآراء والتعبير عمّا يشعرون به مع المقربين ، ومن ثم يمكنهم أن يساعدوا بعضهم البعض في حل المشكلات وربما تعلم مهارات التعامل مع الأشخاص، فوسائل التواصل الاجتماعي تتيح لمستخدميها إمكانيَّة التواصل مع الأشخاص الذين لديهم اهتمامات مشتركة ، وكثيرا ما تكون نقطة البداية لعلاقات قوية، تسهم في تماسك المجتمع وتطوره ونموه ، لكن جهل فئة خسيسة بتلك الأهداف السامية دون وازع من ضمير ، حول وسائل التواصل إلى مستنقع لتفريغ الغل والظلم ومنصات للابتزاز وعدم احترام الخصوصية وانتهاك المحرمات ،واختراق الحياة الشخصية وتدمير مستقبل أناس أبرياء !
هذه الفئة الضالة من حثالة البشر لا تقدر مدى حاجة الآخرين للخصوصية ، ولا تحترم رغباتهم فى الحفاظ على حياتهم الخاصة بعيدا عن منصات التواصل الاجتماعي ، وبلغ حد التطفل منتهاه ، عندما منح هؤلاء المجرمين أنفسهم صك الولاية على قيِّم الناس وتوجهاتهم دون أن يُطلب منهم ذلك !
في الماضي وقبل ظهور السوشيال ميديا .. كانت بعض وسائل الإعلام توصف بالصفراء لأنها تقوم على اختراق الحياة الشخصية للمشاهير وكشف ما بها من أسرار، ولكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي انتشر تلصص هذه الفئة الضالة المتعطشة لتتبع أسرار البسطاء وانتهاك خصوصياتهم ، كوباء تفشى بسرعة كبيرة وأصبح مصدراً للمتعة والسعادة عندها!
هذه الفئة الضالة لا تدرك معنى الحرية الشخصية أو قيمتها كحق طبيعى مُصان لا يُمس وفق نص الدستور ، وأن انتهاكها جريمة يعاقب عليها القانون .
فالمواد 54 و57و58و59 من الدستور تعزز حرمة الحياة الخاصة، وصونها وتؤكد على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية وغيرها من الحقوق والحريات العامة جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية الناشئة عنها بالتقادم ، ويقر القانون وفق المادة 309 عقوبة الحبس على أن كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن فى غير اﻷحوال المصرح بها قانونًا ، أو بغير رضاء المجنى عليه ، سواء استرق السمع أو سجل أو نقل محادثات جرت فى مكان خاص أو التقط أو نقل صورة شخص فى مكان خاص !
حتى المراسلات الخاصة لها حرمتها ، فوفق المادة 57 من الدستور ، ونص المادة 206 من قانون العقوبات ، لا يجوز للنيابة العامة ضبط الخطابات والرسائل ومراقبة وتسجيل محادثات جرت فى مكان خاص إلا بعد الحصول مقدمًا على موافقة القاضي الجزئي عقب اطلاعه على الأوراق !
كما واجه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الصادر برقم 175 لسنة 2018، و المعروف إعلاميا بـ “جرائم الإنترنت” هذه المخالفات التي من شأنها المساس بحرية الحياة الخاصة وانتهاك خصوصياتهم، من خلال وضع عقوبات رادعة تشمل الحبس والغرامة ، من أجل ضبط سلوك الأفراد والحفاظ علي حرمة حياتهم الشخصية.
لقد نصت المادة ( 25 ) من القانون على أنه :” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة ” الأمر الذي حدث برمته مع معلمة المنصورة ” .
كما نصت المادة (26) من القانون ذاته، على أنه :” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه لا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة, أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه” وهو الأمر الذي حدث مع فتاة الغربية المنتحرة “بسنت خالد” !
ولكن .. أتصور أنه بعد العواقب الوخيمة التي نجمت عن تلك الجرائم ــ انتحار بسنت وخراب بيت آية بطلاقها وفقدانها وظيفتها ونبذها من قبل المحيطين بها وتصريحها باحتمال إقدامها على الانتحار والعياذ بالله ــ لا بد أن نعيد النظر في العقوبات المقررة على هذه الجرائم خاصة وأن تداعياتها أصبحت أخطر مما تصور المشرع .. وأعتقد أن بعض نواب البرلمان ومن بينهم نائبة الغربية آمال عبد الحميد، تقدموا بالفعل بمقترح برلماني لرئيس الوزراء ووزير العدل كي يعيدا النظر في العقوبات المقررة على جريمة “الابتزاز الالكتروني” حتى تحقق الردع المرجو منها. ، مطالبين بتعديلها لتصبح عقوبتها السجن المشدد 10 سنوات وتصل إلى الإعدام لهؤلاء المجرمين الذين يدمنون التلصص على الحياة الخاصة للآخرين بتصويرهم ونشر تلك الصور والمقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي وما ينجم عن تلك الجرائم من ابتزار قد يفضي إلى تدمير حياة الضحايا وأسرهم.
وفي الختام أؤكد لهذه الفئة الضالة الآثمة ، أن لدينا مباحث انترنت على أعلى مستوى من الكفاءة ، قادرة على الإمساك بهم في طرفة عين ومعاقبتهم بالقانون مهما حاولوا التخفي والهرب .. حتى لو عادوا إلى بطون أمهاتهم !

زر الذهاب إلى الأعلى