رئيس الوزراء: الدولة تعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص.. وهذا تعاملنا مع ملف سد النهضة
خلال حواره مع BBC
كتب- محمد حسين
أكد مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أنه منذ اللحظة الأولى، كان هناك اهتمام كبير من القيادة السياسية، بتمكين الشباب على مستوى الدولة المصرية، وهذا انعكس منذ البداية في دخول جيل من صغار السن في الكادر الحكومي، وعلى الأخص في المناصب القيادية، مثل الوزراء، لافتاً إلى أنه على المستوى الشخصي، فقد انضم إلى الحكومة وهو مازال في النصف الثاني من الأربعينيات، ومعه زملاء كثيرون من الوزراء في ذات الفئة العمرية، أو أقل، وهو الأمر الذي لم يكن معتاداً في مصر على الاطلاق.
اقرأ أيضا.. بدء اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي
وأجاب رئيس الوزراء خلال حواره مع قناة “BBC”، بأن ذلك ربما كان موجوداً في فترات سابقة، عن الوقت الراهن، ففي فترات معينة كان هناك نوع من عدم الوعي بالأبعاد السياسية، مؤكداً أن الشباب أصبحوا أكثر وعيا ورغبة في دخول معترك العمل العام، ويعتبرونه خطوة جيدة ومدخلا مناسبا للمشاركة السياسية.
ونفى رئيس الوزراء ما تم ذكره في معرض هذا السؤال من عزوف الشباب عن المشاركة في التصويت، لاسيما في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2020، حيث أرجع رئيس الوزراء ذلك لظروف جائحة كورونا، مشيراً إلى أن الاحصاءات تؤكد أن نسب مشاركة الشباب في الانتخابات لم تكن بالقليلة، بل بدأت تزيد على العكس في الفترة الأخيرة مقارنة بحقب سابقة من عمر الدولة المصرية.
ولفت إلى أن الوعي السياسي يبنى في دولة خرجت من معترك سياسي ضخم، وأحداث استثنائية مرت بها البلاد خلال العقد السابق، والتي كانت تدفع المواطنين، وليس فقط فئة الشباب، إلى ما يشبه العزوف من خلال مراقبة ما يحدث في الدولة وما يحدث من تغيبرات، ولكن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الشباب يستوعب الكثير مما لم يكونوا يدركونه سابقاً.
وأشار مدبولي، أن المواطن العادي يشعر بمدى الإختلاف الكبير، من خلال الحجم الهائل من الخدمات التي يلمسها على الأرض، فالمواطن المصري كان يشكو من فقر الخدمات، واليوم تغير الأمر، الأمر الذي يعكسه توصيل المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والغاز، والحجم الضخم لمشروعات الإسكان، الذي تم تنفيذه لفئة الشباب، ومحدودي الدخل، وتطوير المناطق غير الآمنة التي تم اتاحة أكثر من 300 الف وحدة لتسكين قاطنيها، لفئات كانت مهمشة تماماً.
ونفى رئيس الوزراء ما تم ذكره في معرض هذا السؤال من كون الوحدة السكنية للاسكان الاجتماعي تتكلف نصف مليون جنيه، بينما الحد الأدنى للأجور يراد رفعه إلى 2400 جنيه في الشهر، مؤكداً أن الدولة المصرية تطرح وحدات الإسكان الإجتماعي بأسعار مدعمة بصورة كبيرة جداً، فالوحدة تتكلف نصف مليون جنيه، ولكن لا تتيحها الدولة للشباب بهذا السعر.
ونوه على أن آخر الوحدات المعروضة كانت بسعر 300الف جنيه، بأقساط على أكثر من 25 سنة، وبمقدم بسيط جداً، مشيرأً إلى أن القسط يبدأ من 800 جنيه، ما يمثل أقل من ايجار شقة في المناطق العشوائية او منخفضة التكلفة.
وأكد مدبولي أن البرنامج الأهم فيما يخص الإسكان، بصفته خبيراً في التخطيط العمراني، والذي لم يتم تنفيذه في أي دولة في العالم، ويتحقق في مصر، هو تطوير المناطق غير الآمنة، والتي كان يطلق عليها “العشش”، حيث نفذتها الدولة بالكامل، وتتكلف الشقة على الدولة أكثر من 600 ألف جنيه، وتمنح مجهزة ومفروشة بدون مقابل للأسر، وكل ما يدفعونه ايجار يصل إلى 300 جنيه، يمثل فقط الصيانة الخاصة بتلك الوحدة.
وفي سؤال حول شكوى بعض المواطنين من الغلاء، والتضخم، وإرتفاع أسعار بعض السلع، وشكوى الشباب من البطالة، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الأرقام تعكس حجم ما تحقق في الدولة المصرية، مشيراً إلى أنه في عامي 2011 و 2012 كانت نسب البطالة تتجاوز 13%، وكان التضخم مع الوضع الاقتصادي حينها قد بلغ 30 أو 33%، وذلك عندما بدأنا الاصلاح الاقتصادي، الذي كنا مجبرين عليه، بسبب الظروف السياسية الاستثنائية التي مرت بها الدولة، وحالة عدم الاستقرار.
ولفت إلى أنه حتى العام الماضي كان حجم التضخم 4.2%، و 4.3%، وهي درجة لم تحدث، مضيفاً أننا في النصف الأول من العام المالي نستهدف متوسط معدل نمو من 6 إلى 6.5%، وهذا الرقم مدفوع في الأساس بموجة التضخم العالمية، مؤكداً أنه على العكس، فإن ما حدث في مصر كان تأثيره أقل بكثير مما حدث في دول أخرى متقدمة.
وتساءلت الإعلامية حول ما إذا كانت الحكومة تعتمد فقط على الأرقام، فأجاب رئيس الوزراء قائلاً: “أن كافة أعضاء الحكومة متواجدون فى الشارع مع المواطنين”، لافتاً إلى حرصه على الإستمرار في القيام بالزيارات والجولات الميدانية على مستوى الجمهورية، منوهاً كذلك إلى الجولات الميدانية التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتى يحرص خلالها على مقابلة المواطنين للتعرف على المشكلات التى تواجههم والعمل على حلها.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولى أن أعضاء الحكومة ليسوا منفصلين عن الشعب المصرى، لأنهم جاءوا من أبناء هذا الشعب العظيم، وأنهم يعون حجم التحديات والمشاكل المتراكمة التى تواجه مصر، قائلا:” الأهم هو التحرك لحل هذه المشاكل والتغلب على تلك التحديات.. وأن هذا هو ما يعطى الأمل للمواطنين أن هناك تغييرا ايجابيا يحدث”.
وحول ملف الدين الخارجى ونسبته إلى إجمالى الناتج المحلى، أوضح رئيس الوزراء أن نسبة الدين الخارجى تصل حالياً إلى 91%، وأنها وصلت إلى 108% منذ أربع سنوات، مؤكداً أنه يتم تنفيذ العديد من الاجراءات التى من شأنها الاتجاه به إلى المسار التنازلى، مشيراً إلى أنه وصل إلى 87 % قبل حدوث جائحة كورونا، ومع حدوث الجائحة وصل إلى 91%، وجار الاستمرار فى تنفيذ تلك الاجراءات خلال السنوات الثلاث القادمة، بالتنسيق مع العديد من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولى للتعافى من تداعيات أزمة فيروس كورونا،
ولفت إلى معرفة المجموعة الاقتصادية فى الحكومة المصرية لحجم هذا التحدى، وكيفية التعامل معه، للاحتفاظ بما تحقق من معدلات وثقة فى الاقتصاد المصرى.
ورداً على التساؤل الخاص بكيفية التعامل مع الـ 137 مليار دولار دينا خارجيا، و الـ6 تريليونات جنيه دين داخلى، أشار رئيس الوزراء إلى أن أى دولة اقتصادها ينمو فى البدايات من الممكن أن تعتمد فى تمويلها على عدد من المصادر منها الداخلية والخارجية، وصولا لقوة الاقتصاد وقدرته على رد هذه المبالغ المالية، مشيراً إلى أن أغلب النمور الاسيوية بدأت بهذا الشكل.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن أكبر اقتصاديات فى العالم اليوم هى أكبر اقتصاديات مستدينة، فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى، نجد أن حجم الدين بها كبير، قائلا:” الأهم ليس النظر إلى رقم الدين كرقم ، ولكن الأهم كم يمثل من الاقتصاد كنسبة، وكذا من الناتج المحلى الاجمالى”، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بالدين الخارجى ما زلنا فى إطار الحدود الآمنة التى تصل إلى 32 % من الناتج المحلى الاجمالى، بل وأقل، مؤكداً أنه من التحديات التى مررنا بها خلال الفترة الماضية، إلا اننا نستهدف خلال السنوات الثلاث القادمة ضبط الدين الداخلى والخارجى، إلى جانب العمل على تحقيق المسار الخاص بالنمو الاقتصادى، بنسب لا تقل عن 5.5 إلى 7 %.
وردا على مخاوف القطاع الخاص من منافسة القوات المسلحة له فى المجال الاقتصادى، أشار رئيس الوزراء إلى سعادته بهذا السؤال، قائلاً:”كل دول العالم، دائماً الدولة تدخل فى تنفيذ استثمارات فى قطاعات استراتيجية من وجهة نظر تلك الدول، حيث تمس هذه الاستثمارات الامن القومى والاستقرار الاقتصادى بها، لافتا إلى دراسة العديد من التجارب العالمية فى هذا الشأن، مشيراً إلى أن حجم المؤسسات التابعة للقوات المسلحة لا تمثل شيئا بالنسبة للاقتصاد المصرى، حيث تمثل تلك المؤسسات أقل من 1%.
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة المصرية تعتمد بشكل كبير فى اقتصادها على القطاع الخاص، وستظل تعتمد عليه، مضيفا أن المؤسسات الخاصة بالقوات المسلحة تواجدت خلال الفترة الاستثنائية التى مرت بها البلاد فى قطاعات لم يكن موجودا بها القطاع الخاص، أو متواجد بنسبة قليلة جداً، لا تلبى احتياجات الاقتصاد المصرى، حيث كان يتم الاستيراد بكميات هائلة والسداد بعملة صعبة فى بعض الصناعات نتيجة لعدم قدرة القطاع الخاص على تغطية أكثر من 10 إلى 20 % من الاحتياجات المطلوبة بهذه القطاعات.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولى أن الدولة تحتاج خلال الفترة الحالية إلى زيادة حجم الاستثمارات العامة، لبنائها، وتنفيذ العديد من المشروعات فى مجال البنية الاساسية وغيرها، موضحاً أن حجم الاستثمارات العامة التى تم انفاقها خلال الفترة الماضية 50% منها فى مجال البنية الاساسية.
وأكد رئيس الوزراء أنه تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، جار العمل على هيكلة الشركات التابعة للقوات المسلحة التى تعمل فى قطاعات اقتصادية مدنية، بحيث تكون جاهزة للطرح فى البورصة المصرية، وللشراكة مع القطاع الخاص، مثلها مثل شركات قطاع الاعمال والشركات التابعة للحكومة التى بدأ طرحها كشركة “اي فينانس” والتى كانت مملوكة بالكامل للدولة المصرية، وتم طرح 25% منها، منوهاً أننا نستهدف خلال العام القادم طرح عددٍ كبير من الشركات الحكومية؛ منها شركات تابعة للقوات المسلحة التي تعمل في القطاع المدني.
وردا على سؤال حول العلاقات المصرية الأمريكية في الوقت الراهن، حيث وصف العلاقات بين البلدين بأنها علاقة استراتيجية ممتدة منذ تاريخ طويل، تحديدا منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، مضيفا: وعلى إختلاف الإدارات في الدولتين، استمرت هذه الشراكة الاستراتيجية من منطلق إيمان الدولتين بالحرص على استمرار وتقوية هذه العلاقات.
ونفى رئيس الوزراء تماما وجود فتور في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، قائلا إنه لأول مرة منذ فترة يتم عقد الحوار الاستراتيجي في شهر نوفمبر الماضي، وهذا لم يحدث حتى في فترة حكم الإدارة الأمريكية السابقة، مشيراً إلى أن التقرير الذي خرج عن الحوار الاستراتيجي تضمن في مجمله الحديث عن إيجابيات وتفهم حول جميع القضايا المشتركة بين البلدين.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي خلال إجابته عن تساؤل حول حقوق الإنسان في مصر: إنه لابد من الحديث عن كيف يرى الغرب مسألة حقوق الإنسان في الدول النامية والشرق كله بصفة عامة، وليس في مصر فقط على الأخص، ولابد من أن نعي أن ظروف الدول مختلفة، وبالتالي عندما ننظر إلى قضية حقوق الإنسان لابد ان نضع في اعتبارنا أيضا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية.
وأشار إلى أنه لا يمكن تطبيق نفس المعايير التي يتم تطبيقها في دول العالم المتقدم بطرق معينة على جميع الدول الأخرى، ونحن تحدثنا مع مسئولين في دول كثيرة لتوضيح الصورة؛ لأن المشكلة الحقيقية هي أن الصورة تكون غير مكتملة.
ولفت إلى أن أغلب المؤسسات التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر تستقي تقاريرها من حالات فردية لا يمكن القياس عليها وتعميمها على الوضع العام في الدولة المصرية.
وتطرق اللقاء إلى مناقشة مسألة التنوع في الإعلام المصري، حيث أشار رئيس الوزراء إلى أن الإعلام في مصر يتمتع بوجود آراء متعددة، كما أن التليفزيون لم يعد هو المنصة الوحيدة لإظهار اختلاف وتباين الرأي، بل هناك الآن العديد من المنصات التي تقوم بهذا الدور، لكن حتى في التليفزيون هناك تنوع في الآراء كما يوجد نقد لأوضاع كثيرة للغاية وبشكل يومي.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي في هذا الصدد أن الدولة المصرية تحاول قدر الإمكان صنع التوازن على الساحة الإعلامية، لأنه توجد اليوم منصات إعلامية موجهة ضد الدولة المصرية، بالتالي فنحن نحاول أن نشرح الوضع الحقيقي من خلال بعض المنصات التي تشرف عليها الدولة، وفي نفس الوقت، فإن المساحة الإعلامية للمنصات الأخرى مفتوحة، والمواطن يتعرض لجميع وسائل الإعلام وهو في النهاية لديه القدرة على التمييز.
وتناول اللقاء ملف سد النهضة، وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء: نحن دائما نؤكد أننا لسنا ضد أي تنمية تحدث في أي دولة في حوض النيل، وابلغنا الجانب الأثيوبي رغبتنا في ان نتشارك في إنشاء هذا السد، لكن الشيء المهم للغاية بالنسبة لنا ألا تتسبب هذه النوعية من المشروعات فى ضرر لمصر في حقوقها المائية.
وفي رده على تساؤل حول مدى تأكده من أن التحركات الأثيوبية لن تضر الدولة المصرية، أجاب الدكتور مصطفى مدبولي: “طبعا، نحن نتابع هذا الموضوع بحرص شديد جدا من خلال كل الوسائل الممكنة الدبلوماسية والسياسية لكيفية التعامل مع هذا الملف، وكل ما ننادي به حتى هذه اللحظة أن نصل معا مصر واثيوبيا والسودان إلى توافق حول اتفاق قانوني ملزم ينظم حقوق الدول الثلاث في الاستفادة من أعمال التنمية”.
وأضاف: “نحاول من هذه المنصة ان نتحدث مع أشقائنا في أثيوبيا، بأنه لابد ان نصل إلى حوار وتوافق، لانه في النهاية سيكون لصالح شعوبنا، فليس من مصلحة شعوبنا ان يكون هناك خلاف او نزاع أو صراع على مورد طبيعي، وهبه الله لنا جميعا، بالعكس لدينا جميعا المساحة أن نستفيد من هذا المورد الهام الطبيعي بما يخدم حقوق شعوبنا، بما لا يجور على حق شعب آخر”.