رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (33) السميع
تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله السميع جل جلاله
ورد اسمه تعالى السميع في القرآن الكريم خمسًا وأربعين مرة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ﴾ (البقرة: 127)
وورد في السنة: عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلَّى عليه وسلم (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء).
والسمع في حق المخلوقين هو: ما وَقَر في الأذن من شيءٍ تسمعه.
أما المعنى في حق الله تعالى فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وسع سمعه الأصوات على اختلاف اللغات وتعدد الحاجات ؛ فلا تختلف عليه أصوات المخلوقات.
ومن معاني السميع أيضا سمع الإجابة منْه للسَّائلين والدَّاعين والعابِدين، فيُجيبُهم ويُثيبهم، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ (إبراهيم: 39)؛ أي: مجيب الدُّعاء.
ومنه قول المصلّي: سمع الله لِمَن حمِده؛ أي أجاب الله حمْد مَن حمِدَه، ودعاءَ مَن دعا.
كما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم : (إذا قال الإمام: سمِع الله لمَن حمِده، فقولوا: اللَّهُمَّ ربَّنا لك الحمدُ).
و قد جاء في السيّر أن عمر سار يوماً ومعه أبو عبيدة، فلقيته امرأة في الطريق، فقالت: “إيه يا عمر ! لقد كنت تدعى عميراً تصارع الفتيان في أسواق عكاظ، ثم أصبحت تدعى عمراً، ثم ما لبثت حتى أصبحت أميراً للمؤمنين، فاتق الله يا عمر ! واعلم أن الله سائلك عن الرعية كيف رعيتها؟”.
فبكى عمر بكاءً شديداً، فلام أبو عبيدة المرأة لقسوتها على عمر ، فقال له عمر : (دعها يا أبا عبيدة ! فهذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فحري بـعمر أن يسمع كلامها) وهي خولة بنت ثعلبه التي وردت قصتها في سورة المجادلة في قوله تعالى : ﴿قَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوجِها وَتَشتَكي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ﴾ (المجادلة: 1)
وقد جاء اسمه السميع مقترناً بغيره من الأسماء، فجاء سميع عليم، وسميع بصير، وسميع قريب، فهو سبحانه وتعالى السميع الذي يجيب الدعوة عند الاضطرار، ويكشف المحنة عند الافتقار، ويغفر المذلة عند الاستغفار، ويرحم الضعف عند الذل والانكسار.
ومن أثار الإيمان باسم الله السميع جل وعلا ، أنه إذا علِم العبد أنَّ ربَّه يسمع كلَّ شيء، لا تَخفى عليه خافية، فيسمع حركاتِه وسكَناتِه، حمَله ذلك الاعتِقادُ على المراقبة لله سبحانه وتعالى في جَميع الأحوال، وفي جميع الأمكِنة والأزمِنة، فيُمسك عن كلِّ قولٍ لا يُرْضي ربَّه، ويَحفظ لسانه فلا يتكلَّم إلاَّ بِخير، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ (طه: 7)
من الأثار أيضا أنَّ العبد إذا دعا ربَّه فسمع دعاءَه سماعَ إجابةٍ، وأعْطاه ما سأله وعلى حسبِ مُرادِه ومطلبه، أو أعطاه خيرًا منْه، حصل له بذلك سُرُور يَمْحو من قلْبِه آثارَ ما كان يجِدُه من وحشة البعد.
إنَّ للعطاء والإجابة سرورًا وأنسًا وحلاوة، وللمنْع وحشة ومرارة، فإذا تكرَّر منْه الدُّعاء، وتكرَّر من ربِّه سماع وإجابة لدعائه، محا عنه آثار الوحشة، وأبدله بها أنسًا وحلاوة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (البقرة: 186)
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.