بعد 10سنوات من حظرها ارتفاع المآذن.. هل تعترف سويسرا بالإسلام؟
كتب: على طه
..هل يتم الاعتراف بالإسلام كديانة “سويسرية” ؟.. طرح السؤال، الموقع السويسرى الشهير “سويس أنفو swissinfo.ch ” وحاول الإجابة عليه فى تقرير مطول، قبل أن نتطرق إليه، نوضح أن سويسرا تتكون إداريا من 26 كانتون تتحد فيما بينها كونفيدراليا، وبالتالى لكل كانتون منها دستوره الخاص، وقوانينه المنظمة.
ومن هذا المنطلق نتطرق إلى الإجابة على السؤال الذى تم طرحه أولا، وكما ورد فى التقرير فأنه خلال العقود الأخيرة، عاشت الكنفدرالية السويسرية، وما تزال على إيقاع جدل حاد بشأن حضور الرموز الدينية في الأماكن العامة، وعلى وجه التحديد الرموز الإسلامية كالنقاب والحجاب والمآذن والأطعمة الحلال.
طالع المزيد:
-
أمين رابطة العالم الإسلامي: حقوق الإنسان منظومة أخلاقية تحكمها القوانين
-
المشاركون فى جريمة «خريطة الإسلام» النمساوية يتراجعون.. بعد ردود الفعل الرافضة والمنددة
وجميع هذه المسائل، بحسب الكثير من الباحثين والسياسيين والمهتمين بالشأن العام، ليست في الحقيقة إلا مظاهر لقضية أعمق تتعلّق بالمكانة التي يجب أن يحتلها الإسلام في المشهد العام لهذا البلد الأوروبي الذي تدين أغلبية سكانه بالديانة المسيحية.
وفي 29 نوفمبر من عام 2009 أجرت سويسرا تصويتا حظر ارتفاع المآذن فوق المساجد السويسرية، وكما يقول التقرير الذى نسعرضه: “أحدث التصويت صدمة حقيقية في العالم الإسلامي”.
ويستدرك التقرير مشيرا إلى مسلمى الداخل السويسرى فيقول إن التصويت دفع المسلمين في سويسرا إلى محاولة فهم مبررات ذلك الخيار، وبناءًا عليه طوّروا إستراتيجيات عملهم من أجل تحقيق هدفيْن أساسيْين، الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، وتحقيق اندماجهم في الواقع السويسري في محاولة لكسب الاعتراف القانوني بالإسلام في بلد جبال الألب.
وما بين الاحتفاظ بالهوية أو الاندماج فى المجتمع السويسى اختلفت الآراء والتوجهات داخل الأقلية المسلمة فى سويبعد 10سنوات منسرا.
وترجم اختلافهم السؤال: ” لأي من الهدفين يجب منح الأولوية؟”.
وبعد حوالى عشر سنوات من حظر المآذن.. ما هو المشهد الإسلامي الآن في سويسرا؟
يقول ستيفان لاتيون، الخبير السويسري في مجال دراسة الإسلاميات : “جاءت أهمية مبادرة حظر المآذن في كونها وفرت السياق والمبرر لطرح القضايا العالقة في حوار شائك بين الإسلام والغرب، ولم يستقر حتى الآن على صياغات نهائية لتعايش ممكن في عصر تسوده العولمة، وتتشابك فيه الهويات الوطنية والثقافية”، ومن هذه الناحية على الأقل، “يستحق أصحابها الإشادة”.
ويؤكد تقرير “سويس أنفو” أنه بالفعل كان من النتائج المباشرة لمبادرة حظر المآذن انطلاق حوار معمّق بين السلطات الفبدرالية السويسرية، والمنظمات الإسلامية في سويسرا من أجل “التوصّل إلى عقد اجتماعي ينظم التعايش بين المسلمين والسويسريين”.
وحسب ماريو جاتيكر، نائب مدير المكتب الفيدرالي للهجرة والمسؤول عن تنظيم الحوار مع المجموعات الإسلامية آنذاك فأن “الحوار انطلق من قناعة واضحة لدى الحكومة تفيد بأن للمسلمين مكانهم في المجتمع السويسري، ولابد من إيجاد الصيغ والقواعد التي تنظم العلاقة بينهم وبين بقية فئات المجتمع المحلي”.
وتتابع جلسات الحوار في العاصمة السويسرية برن، ووصل الجميع من خلاله إلى قناعة بأن ملف “المسلمون في سويسرا” يتسم بقدر لابأس به من التعقيد، والتركيب يتجاوز قضايا الأمن والإندماج إلى مطلب أشمل هو تحديد طبيعة وضع الإسلام في سويسرا والاعتراف بالمسلمين “كأقلية دينية.
ويقول الدكتور هشام ميزر، الرئيس السابق لفيدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا، إحدى المنظمات الرئيسية المشاركة في ذلك الحوار إن “مثل هذا الاعتراف يضمن حقوقنا بشكل رسمي وبطريقة شاملة”.
وأدى تعمّق الحوار وتطرقه إلى قضايا شائكة مثل معضلة العلاقة بين الدولة والأديان، وكيفية تنظيم الشأن الديني بصفة عامة، أو كذلك إثارته لقضايا ملموسة تهم الحياة اليومية، إلى الاصطدام بالحقائق التي يفرضها الدستور الفيدرالي السويسري، ومنها أن تنظيم الشأن الديني، والاعتراف بديانات جديدة من اختصاص حكومات الكانتونات ولا دخل للحكومة الفيدرالية فيه، وأن القوانين المنظمة للشأن الديني تختلف باختلاف الكانتونات الستة والعشرين المكونة للبلاد.
واختلاف الإطار القانوني من كانتون إلى آخر، كما سبق وأن اوضحنا فى المقدمة، كان له انعكاساته على تطوّر العلاقة بين الأقليات المسلمة والجهات الحكومية وعموم المجتمع السويسري في كل كانتون بمفرده.
وتباينت المسارات من جهة إلى أخرى لكن المشترك بينها جميعا هو سعي الطرفيْن: المسلمون من جهة، والجهات الحكومية من جهة أخرى، إلى إيجاد حلول براجماتية كلما ظهرت مشكلة هنا أو هناك، وتحققت العديد من الانجازات على هذا المستوى، وأن اختلفت درجاتها من كانتون إلى آخر.
وأحد الأمثلة على ذلك الحوار المستمر منذ عشر سنوات بين حكومة كانتون فو واتحاد المنظمات الإسلامية هنا، والذي يعرض المقال التالي حصيلته.
لكن يظل قسم من المجتمع السويسري غير مرتاح للحضور الإسلامي في البلاد، والقضايا الشائكة التي تثير المخاوف والتساؤلات لا تزال كثيرة، كما يؤكد تقرير موقع “سويس أنفو” لكنه يعود ويحاول أن يقلل من وقع الحقيقة بالقول: “لكن الخبراء يقللون من أهمية هذه المخاوف ويرون أن الزمن كفيل بتغيير هذه الوضعية مثل الخبير أمير الجزيري، أستاذ اللاهوت الإسلامي بجامعة فريبورج”.
ويخلص التقرير إلى التشكيك فى تحقق انفراجة فى القضية المعقدة، والتى تتمثل فى الاعتراف القانوني بالديانة الإسلامية في سويسرا، رغم قطع خطوات متقدمة على هذا المستوى في العديد من الكانتونات، بسبب أن اندماج المسلمين في المجتمع السويسري بطيئا ويُواجه عراقيل شتى ويعاني من مشاكل من بعض المحافظين والمتشددين من المسلمين، ومن بعض القوى اليمينية في المجتمع المضيف.
وينتهى التقرير إلى إسداء نصيحة بتسريع مسار الاندماج، لتحقيق أقصى درجات التعايش المنشود، ومعالجة عادلة لملف الإسلام والمسلمين في سويسرا.
وفى هذا الصدد دعت الخبيرة السويسرية في مجال القانون وحقوق الإنسان ستيفاني كورت إلى “النظر في مطلب الاعتراف بالأديان غير المعترف بها حتى الآن في سياق عملية إدارية تحكمها معايير موضوعية متفق عليها، من أجل تجنّب أي نوع من التمييز أو عدم التكافؤ أمام القانون”.