الربيع إسماعيل يكتب: معرفة الذات بين الأنا “الذاتية” و الآخر

 “الجهل بالذات من أسوأ أنواع الجهل، والبحث عنها عمل من أنبل الأعمال وأنفعها”.

                                                                                # د.عبدالكريم بكار

لم تكن ليلة رأس السنة للعام سبعة عشر و الفين حدثاً عادياً للرفيق “م” حينما أشاد أصدقاؤه بذكائه الحركي و توازنه مع الإيقاع ، وقتها تفتحت آفاق جديدة لوعيه الذاتي عبر أثير الخارج.
 و لم تكن تلك المعرفة إلا البداية الفعلية لإيلاء اهتمامه لذاك النشاط، حتى رأيته يحصد جائزة الرقص المنفرد “Solo Dance” في كرنفالات الجامعة بالإسبوع الثقافي لذات العام.

 اقرأ أيضا للكاتب:

الربيع إسماعيل يكتب: عن نزعة الضحية و استعطاف الجمهور

الربيع الرحيمة إسماعيل يكتب: ثلاثة دروس من ثلاثين كتابا!

الربيع الرحيمة إسماعيل يكتب: من وحى الطبيعة

وتساءلت حينها.. أترى لو أنه انغلق على ذاته هل كان ليعلم ذاك البعد الخفي عنها ؟ ليقودني ذاك التساؤل للتوسع أكثر في محاولة إدراك أبعاد الذات لا من تشكلات حكايا الواقع أمامي فقط ، بل ممن سبقونا لوقائع و إطروحات فلسفية سابقة.
حينما عبر ديكارت بكلماته الشهيرة: ” أنا أفكر إذن أنا موجود ” أقصى من خلال هذا المفهوم الآخر كطرف فعال في الوعي بالذات، والتي باعتبارها ذاتا فردية قادرة على معرفة ذاتها بذاتها وبصورة مباشرة، ومن دون تدخل الغير، أي أن الأنا تعيش عزلة أنطولوجية عن الغير حينما تصنع نفسها كأنا مفكرة لا شك في وجودها مقابل الآخر القابل للشك، بل والمشكوك في وجوده أصلا.
ومن ثم فالحقيقة اليقينية الوحيدة التي لا تقبل الشك وتفرض نفسها بشكل بديهي هي الأنا أفكر ، “الذات ” أما وجود الغير فمشكوك فيه ذاته وجودا استدلاليا صادرا عن عملية الاستدلال بالمماثلة.
 أي أننا لا نعترف بوجود الغير ودوره في معرفة الذات لذاتها مادامت ذاتــا مفكرة.
أما “سارتر” فقد كان أخف تعصباً في إقصاء الآخر حينما جعل معرفة الذات مشروطة بمعرفة الغير ووجوده ، وهذا ما يثبت أن العلاقة بين الذات والآخر علاقة تشيئية صراعية أي كل واحد يشيئ الآخر، هذه العلاقة المتوترة بين الطرفين تطرح إشكالا إجتماعياً وأزمة تواصل مع الآخر غير الإنساني ما دام موضوعا فاقدا لما هو إنساني، لذا يصبح في تصور سارتر مصدر خطر ما دام وجوده يعني لحظة النفي الأول للذات.
وعليه يصبح الهدف من هذه العلاقة هو معرفة الآخر وليس التعرف والتعارف معه ما دام هذا الأخير غير مؤهل لإقامة علاقة وفعل تواصلي حقيقي مع الذات كونه موضوعا فاقد للإرادة والحرية.
هذه النظرة التي أكد عليها سارتر نجدها مجسدة في تصور هيجل بصورة أكثر انفتاحاً إذ أكد الأخير بأن الآخر ضروري لوجود الذات ما دام الإنسان يعيش في علاقة معه أكثر ما يعيش في فرديته الخاصة، فالوعي حسب هيجل هو وعي شقي يتطور وينمو من أجل بلوغ مرحلة الاكتمال بطريقة جدلية، ففي البدء ينحصر إدراك الإنسان لذاته في الإحساس، ثم يكتمل بتأكيد الآخر.
والخلاصة عزيزي … إدراكنا بذواتنا و معرفة الآخر بنا هما عمليتان تكامليتان تمتزجان في وعي واحد لتشكلان واقعاً جديدا أنت فيه الفاعل و المتحكم.
و كعودة لنموذج الرفيق “م” كان للآخر فيه القدح المعلى في تأكيده على موهبته.
و لا شك أن هناك الكثير ممن توقفوا في بداية الطريق لجهل الآخر بمكامن قدراتهم فأحبطوا و توقفوا عن المسير، والقول الفاصل هنا أن هناك حد من إدراك الذات لا يمكن للخارج أن يضلله او يثبطه مهما بلغ من التنكيل و التقليل.
و إن كان ثمة نصح يمكنني أن أسديه إليك فهو : ” توسد معرفة ذاتگ ثم كن منفتحاً على الغير، لتعرفك فيهم أكثر” .
تمت المشاهدة بواسطة Râbīĕ Ē. Iśmãēil في الثلاثاء 9:17م
Enter
اكتب إلى Râbīĕ Ē. Iśmãēil
زر الذهاب إلى الأعلى