د. ناجح إبراهيم يكتب: حسن الشافعي.. جائزة الملك فيصل مرتين
يكتب د. ناجح إبراهيم عن شخصية مصرية مرموقة، لا يعرف عامة المصريين شىء عنه، وربما أيضا لا يعرفه كثير من النخبة فى بلده، على الرغم علماء اللغة في العالم، يسمونه: “الهرم الأكبر للعربية في العالم الإسلامي”..
وأنت عزيزى القارىء: هل تعرف من هو حسن الشافعى؟.. د. ناجح إبراهيم يقدمه لأبناء جلدتهن ولقراء العربية عبر المقال التالى المنشور اليوم السبت فى “المصرى اليوم”، ويقول فى نص مقاله:
أول أزهري يرأس مجمع الخالدين”مجمع اللغة العربية”, وهو أول مصري يدرس في كليتي دار العلوم وأصول الدين في وقت واحد ويتفوق فيهما وترسل له الكليتين خطاباً بتعيينه معيداً فيها, فيفضل دار العلوم علي الأزهر.
اقرأ ايضا للكاتب:
وهو الوحيد الذي تسلم جائزة الملك فيصل العالمية مرتين,المرة الأولي نيابة عن مجمع اللغة العربية والثانية عن نفسه مناصفة مع الرئيس التنزاني الأسبق علي حسن مويني في خدمة الإسلام, وتعد جائزة الملك فيصل هي أرقى جائزة علمية عربية حتى الآن.
يسميه علماء اللغة في العالم “الهرم الأكبر للعربية في العالم الإسلامي” ,لأنه من العلماء الموسوعيون النوادر الذين كادوا أن ينقرضوا من عالمنا الآن.
وله سمعة عالمية رائدة في علوم اللغة والفلسفة في أمريكا وفرنسا وألمانيا واندونيسيا وباكستان وكل دول الخليج.
وهو يجيد ثلاث لغات غير العربية وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية..
ويطلق عليه تلاميذه من حملة الدكتوراة والماجستير لقب “الوالد” لأنه يشبه علماء السلف في العطاء لا الأخذ, ويقولون عنه كما قيل عن الحسن البصري: “احتاج الناس إلي علمه واستغني عن دنياهم”، فقد كان يكرم تلاميذه الفقراء ويتبني النوابغ منهم.
وكان يطبع كتبه المقررة علي الطلاب علي نفقته طبعات فاخرة ثم يضعها أمام مكتبه ويعلن للجميع: علي الطلبة الفقراء الذهاب لأخذ ما يريدون ويغلق ساعتها علي نفسه باب المكتب منعاً لإحراجهم, وبعدها يشرع في بيع باقي النسخ, ويطلب من تلاميذه كشفاً بأسماء الطلاب الفقراء في المدينة الجامعية فيدفع لهم المصاريف في صمت.
عمل مستشاراً لشيخ الأزهر عدة سنوات دون مقابل، وقدم له استقالته مرات حتى لا يتحرج من وجوده.
جمع بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية فهو عضو في هيئة كبار العلماء وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ورئيس مجمع الخالدين دورتين سابقاً وفي الوقت نفسه عضو المجلس العلمي لكلية الدراسات العليا بمانشستر ببريطانيا.
وقد حصل د. الشافعي علي الدكتوراة في كلية الدراسات الشرفية والإفريقية بجامعة لندن.
وجمع د. الشافعي بين الشريعة والتصوف جمعاً صحيحاً,فكان نعم العالم والزاهد الورع.
تولى رئاسة الجامعة الإسلامية بإسلام أباد وهو أحد مؤسسيها ورعاتها فقد بدأها كعميد لكلية الشريعة بها حتى طورها وجعلها علي طراز فريد ووصل لرئاسة الجامعة كلها,وهو في الوقت ذاته كان رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء الصوفية وهو لا يضم غير العلماء الكبار.
ويعد د. الشافعي من أعظم من دافعوا عن استقلال الأزهر وخاصة في أوقات ضعفه ومحاولة البعض القفز عليه.
وهو صاحب الشعار المعروف “أرفعوا أيديكم عن الأزهر”، “وإياكم والأزهر”، “اتركوا الأزهر وشيخه ولا تتدخلوا في أمره”.
وهو من العلماء القلائل الذين لا يخشون في الله لومة لائم ويحسب له الجميع ألف حساب، لأنه لم يكسر أحد عينه لا بمال ولا بمنصب ولا بدينا، فقد تعفف عن كل ذلك، وكانت المناصب العلمية تطلبه ولا يطلبها.
وللدكتور الشافعي مؤلفات عديدة معظمها في الفلسفة واللغة والتصوف، وقد أحب “أبا حامد الغزالي” وكتب عنه، وأحب إقبال، وترجم له، وأحب التصوف وكتب “فصول في التصوف”.
وهو من القلائل الذين جمعوا بين الصدع بالحق والرحمة بالخلق حتى وصف تلميذه د. عبد اللطيف عامر علاقته بزملائه ومرؤوسيه أثناء عمله قائلاً:
“تصوُّف أدى إلى (حلول) بالجامعة الإسلامية في إسلام آباد وواجباتها وأعبائها، و (وَجْد) دعاه إلى قضاء معظم وقته بها، ونسيان حقوقهِ الخاصة لأجل حقوقها، و(توكُّل) أدى إلى إيمان بالثمرة المرجوّة من هذه الجامعة الناشئة، والْتزام أدى إلى سهر على مصلحتها وقضاء معظم الوقت فيها، وقد ظلَّ (القَبول) الذي أنعمَ اللهُ بهِ عليه هو البوصلة التي ضمت إليه ما تناثَر، وجمعت عليه ما تفرّق، وجذبته من جديد إلى أيدي إخوانه، كما جذبت أيديهم إليه”.
ويصفه تلميذه د. عبد الطاهر “إذا نظرتَ إليه رأيتَ الابتسامةَ الحانية تكسو جبهته، وغمرتكَ بالسعادةِ طلعته، يُبادركَ بالسلام، ويَشدّ على يديْك بِحبٍّ واحترام، يسألكَ عن أحوالك وأحوال ذويك”، ويَذكُر لك طرفًا من آخِر لقاء بينك وبينه، فيُشعركَ أنك به موصول، وأنك لم تغِب عن ذاكرته وإنْ طال الزمان.
وإنْ كنتَ تلقاه لأول مرة، تشعر أنك تعرفه منذ فترة طويلة، وأنَّ صلتك به حميمة، فإذا عرف اسمكَ حُفِرَ في ذاكرته، فيبادركَ في اللقاء الثاني بادئًا باسمكز
أمَّا دعواته الطيبة التي تلاحقك وتحُفّكَ من كل جانب فهيَ دعوات تخرج من قلب صادق محبّ، تعرفها حين يتحقّق ما يقدّره اللهُ لكَ منها في الدنيا، ساعتها تجزم أنَّ الرجل من عباد الرحمن المخلصين حقاً”.
وكان الشافعي يردد: “العالم الحق هو من يعمل بعلمه وليس من يدون الكتب والحواشي”.
د. حسن الشافعي من النوادر الذين تبرعوا بجائزة الملك فيصل وهو مبلغ كبير جداً يوازي 750 ألف ريال سعودي أي قرابة 3 ملايين جنيهاً تبرع بها كاملة لطلاب الأزهر وباحثيه, وهذا يدل علي زهده وكرمه.
وأفضل من وصف د. الشافعي هو تلميذه العلامة د. محمد عمارة الذي قال”جمع بين الأزهر ودار العلوم،وبين الأصالة والتجديد، وقلب الصوفي وعقل الفيلسوف، وبين التحقيق والتأليف، وبين الإبداع الأكاديمي والعمل الدعوي.
وجمع بين صناعة الفكر وتربية الشباب، عشِقَ العربية، وأبدع في الإنجليزية تأليفًا وترجمة، وبين صلابة أهل الصعيد، ودماثة الحضَر وأبناء الوجه البحري، وبين الوطنية والعروبة والإسلامية والإنسانية، وبين الحُبّ لله والحبّ لخَلْق الله” وسماها العشرة الطيبة.
حصول عالم مصري مثل د/الشافعي علي جائزة الملك فيصل فخر لمصر ودليل علي دوام ريادتها ودليل آخر علي دقة وعلمية هذه الجائزة العظيمة.
سلام علي العلماء والزهاد وسلام علي العلامة العظيم د/حسن الشافعي.