رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (34) البصير
في رحلتنا المتواصلة مع أسماء الله الحسنى نتحدث اليوم عن اسم الله البصير جل جلاله
وَرَدَ هَذَا الاسْمُ في القُرْآنِ اثْنَتَيْنِ وأَرْبَعِينَ مَرَّةً مِنْها قَوْلُهُ عز وجل: ﴿وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ (البقرة: 110).
كما وَرَدَ اسم البصير في السنة الشريفة: كما جاء عن أبي هريرة ( إنَّكْم لا تَدْعُونَ أصَمَّا، ولا غَائِبا، إنكم تَدْعُونَ سَمِيعا بَصِيرا )
والمعنى اللغوي للاسم: (البصر) في حق الخلق: حاسة الرؤية ، و(البصيرة): العلم والفطنة.
أما المعنى في حق الله عز وجل، فقال عنه السعدي “البصير الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت الأرضين السبع، كما يبصر ما فوق السموات السبع. وأيضًا سميع بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى الحكمة”
على هذا يكون للبصير معنيان: الأول: إن له بصرٌ يرى به كل شيء سبحانه وتعالى، والثاني: إنه ذو البصيرة بالأشياء، الخبير بها.
وقد اقترن اسم الله (البصير) باسم الله (السميع) في كتاب الله تبارك وتعالى في أكثر من عشرة مواضع، كقوله تعالى: ﴿ما خَلقُكُم وَلا بَعثُكُم إِلّا كَنَفسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ﴾ (لقمان: 28).
فهذان الوصفان (السمع، والبصر) يدلان على الإحاطة، فلا يخرج شيء عن كونه من جملة المسموعات، أو المبصرات، فالله سبحانه وتعالى يسمع جميع الأصوات، ويرى جميع الأشياء، الخفيات، والجليات فهذا كله يدل على الإحاطة.
وفي سورة غافر وتسمى أيضًا سورة المؤمن لحديثها عن مؤمن آل فرعون، يقول الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿فَسَتَذكُرونَ ما أَقولُ لَكُم وَأُفَوِّضُ أَمري إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصيرٌ بِالعِبادِ﴾ (غافر: 44).
والآية دليل واضح للمؤمن على أن التوكل الصادق على الله، وتفويض الأمور إليه سبب للحفظ والوقاية من كل سوء وذلك ليقين هذا المؤمن بأن الله بصير بحاله.. فكان الجواب: ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ ما مَكَروا وَحاقَ بِآلِ فِرعَونَ سوءُ العَذابِ﴾ (غافر: 45).
ومن ثمرات الإيمان باسم الله البصير جل جلاله دوام الحياء والمراقبة.. قال تعالى: ﴿وَكَم أَهلَكنا مِنَ القُرونِ مِن بَعدِ نوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنوبِ عِبادِهِ خَبيرًا بَصيرًا﴾ (الإسراء: 17)
فمن عَلِم أن ربَّه بصيرٌ مُطلعٌ عليه، يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته واستحضر ذلك في خلواته أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر ، وهو علامة كمال الإيمان .
وقال رجل لوهب بن الورد عظني فقال له: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك .
وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر ؟ قال : بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه.
وإذا داوم العبد على تلك المراقبة، بلغ أعلى مراتب الإيمان وهو الإحسان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم:
ما الإحسان؟، قال صلى الله عليه وسلم
أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فيجب على العبد أن يراقب ربَّه في جميع أحواله، ويوقن أن ربَّه سبحانه وتعالى من فوق عرشه بصيرٌ به .
ومن الثمرات أيضًا، التوكل على الله سبحانه وتعالى: فالله تبارك وتعالى بصيرٌ بأحوال عباده، خبيرٌ بما يُصلحهم وما يفسدهم، يقول تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبيرًا بَصيرًا﴾ (الإسراء:30)، مما يجعلنا نتوكل عليه سبحانه وتعالى حق التوكل ونفوض إليه جميع أمورنا.
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.