لواء د. سمير فرج يكتب: الرئيس السيسي في الصين للمرة السادسة.. المغزى والمفهوم
للمرة السادسة منذ تولي سيادته منصب رئيس الجمهورية، عام 2014، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيارة جمهورية الصين الشعبية، بدعوة من الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وهذه المرة كانت الدعوة لحضور حفل افتتاح دورة الالعاب الأوليمبية الشتوية الرابعة والعشرون، بالعاصمة الصينية بكين.
وعقب حضور حفل الافتتاح اجتمع السيد الرئيس بنظيره الصيني شي جين بينغ، في سابع لقاء يجمعهما، فيما يؤكد على عمق الترابط بين الدولتين، والذي ارتقى، في السنوات الأخيرة، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
طالع المزيد:
كان لقاء القمة الأول، في ديسمبر 2014، بعد ستة أشهر من تولي الرئيس السيسي مهام منصبه، وحينها تم توقيع وثيقة إقامة علاقات شراكة اقتصادية كاملة ضمن استراتيجية تطوير العلاقات بين الدولتين، كما رحب الرئيس السيسي، حينها، بمبادرة الرئيس الصيني بإحياء طريق الحرير البري والبحري والذي يمر بحوالي 56 دولة.
وفي سبتمبر 2015، عُقدت القمة الثانية بين الرئيسين بمناسبة احتفال الصين بعيد النصر الوطني، في الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، ويومها أشاد الرئيس الصيني بمشاركة القوات المسلحة في العرض العسكري. كما أعلن، خلال تلك القمة، العام الثقافي بين الدولتين، وعلى الصعيد الاقتصادي تم التأكيد على نجاح وتقدم التعاون الثنائي بين الدولتين، خاصة في مشروعات الطاقة الإنتاجية، ووقعت الاتفاقات، التي تم بمقتضاها تقديم قرض صيني لمصر بقيمة 100 مليون دولار، لتمويل المشرعات الصغيرة والمتوسطة في مصر.
وبعدها بأشهر قليلة، وتحديداً في يناير 2016، انعقدت القمة الثالثة، تلك المرة على أرض مصر، أثناء الزيارة التاريخية للرئيس الصيني، استجابةً لدعوة الرئيس السيسي، في أول زيارة لرئيس صيني بعد 12 عاماً، وحينها شارك الرئيسان في الاحتفال بمرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
وفي سبتمبر من نفس العام، عقد الزعيمان قمتهما الرابعة، خلال زيارة الرئيس السيسي إلى بكين، للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، وأثناء الزيارة تم مراجعة الاتفاقات الموقعة بين البلدين، خلال اللقاءات السابقة، لقياس مدى نجاحها في تحقيق أهدافها، وهو ما أعرب عنه الرئيس الصيني مؤكداً ثقة بلاده في الآفاق الواعدة التي تجمعها بمصر، خاصة في المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية.
وتلبيةً لدعوة من الرئيس الصيني للمشاركة في الحوار الاستراتيجي حول تنمية الأسواق الناشئة والدول النامية، انعقدت القمة الخامسة بين الرئيسين في سبتمبر 2017، وبعدها بعام، في سبتمبر 2018، انعقدت القمة السادسة، في الصين، خلال مشاركة الرئيس السيسي في قمة منتدي التعاون الصيني – الأفريقي “فوكاك”، وشهدت تلك الزيارة توقيع عقود مشروعات صينية في مصر، باستثمارات بلغت 18 مليار دولار، أسفرت عن جذب استثمارات نحو 1500 شركة صينية، إلى مصر، في مجالات متنوعة أبرزها قطاعات الصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطوير المناطق الاقتصادية، منهم الاتفاق على إنشاء حي الأعمال المركزي بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومحطة الضخ والتخزين بجبل عتاقة، ومحطة توليد الكهرباء بمنطقة الحمراوين، على ساحل البحر الأحمر، وغيرهم من مشروعات الغزل والنسيج، وإنشاء معمل تكرير ومجمع بتروكيماويات بمحور قناة السويس.
لقد بدأت مصر والصين عهداً جديداً من علاقات الشراكة الاستراتيجية، منذ ديسمبر 2014، لتصبح مصر ثاني بلد عربي يقيم مثل هذا النوع من العلاقات، بعد الجزائر، فعلى الصعيد التجاري، وفي عام 2018، بلغ حجم التبادل التجاري، بين البلدين، 13,8 مليار دولار، بزيارة 26,4%، بما انعكس إيجاباً على حجم الاستثمارات، لصالح مصر، بازدهار عمل الشركات الصينية في مصر تكاملاً مع مبادرة الحزام والطريق، لربط التجارة العالمية، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي أصبحت منصة مثالية، والوجهة المفضلة للاستثمارات الصينية، وستصبح ركناً هاماً في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وتشير تقديرات الدراسات الاستراتيجية الدولية، أن أهم محاور المباحثات بين الرئيسين ستتركز حول سد النهضة، مع التوقع باستمرار الضغط المصري، لإجبار أثيوبيا على الدخول في مفاوضات لحل المشكلة من خلال القنوات السياسية والدبلوماسية، وصولاً إلى حل يرضي جميع الأطراف، بما يسمح لأثيوبيا بإقامة مشروعاتها التنموية، دون المساس بحق مصر في مياه النيل، في ظل كون الصين أكبر الدول المُقدمة لمعونات اقتصادية لأثيوبيا. يليها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي شهدت زيارة من الرئيس السيسي، أعقبها في اليوم التالي، مباشرة، وصول رئيس الوزراء الأثيوبي، أبي أحمد، إلى الإمارات، وهو ما يأتي ضمن سلسلة المباحثات السياسية التي يتولاها الرئيس السيسي، والتي كانت على جدول لقاء سيادته مع الرئيس السنغالي، أثناء زيارته لمصر، في الأسبوع الماضي، والذي يتولى، حالياً، رئاسة الاتحاد الأفريقي، لمدة عام، إذ أبدى الرئيس السنغالي تفهماً للمشكلة، واتفق مع الرئيس السيسي على ضرورة حلها من خلال القنوات السياسية، ووعد بالقيام بدور بارز في هذا الملف، خلال فترة رئاسته للاتحاد الأفريقي، في العام الحالي.
وهكذا، فإنه من المنتظر أن تفتح زيارة الرئيس السيسي، إلى الصين، أفاقاً جديدة للتعاون الثنائي بين البلدين، في المستقبل القريب، بناءً على ما تم ترسيخه في السنوات السابقة، في مختلف المجالات … وسنترقب عن قرب، دوراً مؤثراً وفاعلاً للصين في حل أزمة المياه بين مصر والسودان من جهة، وأثيوبيا من جهة أخرى.
Email: [email protected]