د.ناجح إبراهيم يكتب: رسالة إلي د. عبد المنعم سعيد ونظرائه

كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان”رسالة إلي د/عبد المنعم سعيد ونظرائه “وتم نشره في جريدة الوطن وهذا هو نص المقال:
• أصعب موقف علي النفس البشرية موت الابن في حياة الأب ولذلك جاء في الحديث القدسي الجميل نداء الله سبحانه وتعالي لملائكته: “يا ملائكتي قبضتم ولد عبدي أخذتم فلذة كبده”,نعم يارب فيسألهم الله وهو أعلم بهم ماذا قال عبدي “قالوا حمدك واسترجع فيقول سبحانه “ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد”.
• وقد تعرض الصديق والعالم والأكاديمي د/عبد المنعم سعيد لمثل هذه المحنة بفقد ابنه المهندس الشاب/شادي فجأة وهذه محنة أيضاً ثم أعقبها بأيام وفاة شقيقه المفكر الاستراتيجي اللواء د/قدري سعيد فاجتمعت عليه مصيبتان عظيمتان فقلت في نفسي: البلاء العظيم يحتاج إلي صبر عظيم.
• ثم تعرض صديقي نور الدين داخلي لمحنة قاسية ومفاجأة إذ توفيت زوجته الشابة بعد ولادتها وبعد أن ألقت نظرتها الأولي والأخيرة علي مولودتها التي تسمت باسمها نتيجة بعض الإهمال الطبي في رعاية الأم بعد الولادة.
• إذ اعتادت المستشفيات الاطمئنان والاسترخاء بعد اتمام الولادة دون الاطمئنان علي صحة الأم, وكذلك الإهمال في فحص الأم جيداً قبل الولادة, فقد اشتكت الزوجة من ألم بقلبها بعد الولادة لم يعره أحدهم اهتماماً فإذا بها تلقى ربها سريعاً, حاول بعض أفراد الأسرة تقديم بلاغ للنيابة ولكن الزوج الكريم رأي أنه فقد عمود حياته ولا أمل في استرجاعه وأن النزاعات القضائية ستشغله عن ربه وأولاده ولن تعيد له أغلي أحبته.
• ومنذ عدة أيام حدثت عدة حوادث سير قتل فيها عشرات أدخلت اليتم إلي هذه البيوت, كل هذه المصائب الكبرى جعلتني أسطر هذه الرسالة إلي كل المجروحين والمكروبين بفقد أو مرض أحبتهم.
• كلنا يحتاج إلي العلاج الأمثل الذي نحتاجه جميعاً في مثل هذه المحن إنه الصبر, ذلك الجواد الذي لا يكبو والحصن الذي لا يهدم, ولن يتأتي النصر في كل ميادين المحن والحياة إلا بالصبر, ولذلك قرن الرسول “ص” بين “النصر والصبر” والنصر هنا ليس في ميادين المعارك الحربية التي تحتاج إلي صبر فوق الصبر العادي, ولكن النصر والخروج بسلام من كل محنة لتتحول إلي منحة ربانية والنصر في كل اختبار في الحياة.
• وقد تأملت الحياة فوجدت الناس إما في نعمة أو محنة, فصاحب النعمة يحتاج إلي الشكر وصاحب المحنة يحتاج إلي الصبر, فالناس يدورون بين الشكر والصبر والعبد إما شاكر أو صابر, وقد ينتقل في عدة أشهر أو سنوات من هذا لذاك, فقد يكون في بحبوحة من العيش وفجأة يزول ماله أو جاهه أو يسجن أو يتعرض مع أسرته لحادث سير فينتقل من الشكر إلي الصبر.
• والشكر حلو مثل النعمة, أما الصبر فمر مثل المر والمحنة, ولذلك أنصح الناس ألا يتمنوا البلاء فقد يقع ولا يستطيعوا دفعة وقد يضجر وييأس وقد يكفر بالله من هول المحنة, وما تمني أحد البلاء إلا وعجز عن تحملها, ولئن تكون في عافية وتشكر أفضل لك من أن تكون في محنة وتصبر, فالشكر يجعلك تحب الله أكثر وأكثر لأنه بلا ألم أما الصبر فمر المذاق وهو يقربك إلي الله ولكن بألم وعنت ومشقة.
• وقد جربت بنفسي تلك الأحوال,ولذا أتمني العافية لكل الناس وأحبها حتى لمن يسيء إليَّ,فلا أتمني له البلاء والمحنة.
• وكما أن الناس نوعان فكذلك الإيمان نصفان صبر وشكر,ومن عجز عن الصبر فعليه بالتصبر وهو تصنع العبد وتكلفة”ومَن يَتَصبَّرْ يُصَبِّرْه اللهُ”, فمن حاول الصبر وتصنعه رزق الصبر,ومن تدرج في الصبر وركب جواده وصل إلي الرضا وهو أشبه بصاروخ سريع يوصلك إلي الله” فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ”.
• ويكفي لأهل الصبر أن يكونوا في معية الله “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” وهذه المعينة شاملة فتعني فيما تعني الهداية والعون والكفاية والتعويض عن المحنة وتحويلها لمنحة والبلية إلي عطية.
• ويكفي لأهل الصبر أن الإمامة في الدين تحتاج للصبر واليقين بالآيات”وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ”أما أعظم آية في الصبر هي”إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ “فأجر الصابر لا حدود له, لأن ألمه لا حدود له والصبر جعله يوجه طاقة الألم في اتجاه إيجابي نحو البناء لا الهدم.
• وأعظم ترغيب في الصبر قوله تعالي”وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”فمن أراد محبة الله فعليه أن يسلك طريق الصبر مهما كان مراً, كما بشرهم القرآن بقوله ” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” وبين أجرهم”أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” ولك أن تتخيل صلوات الله ورحماته علي الصابرين, يا له من فوز عظيم, فالله سبحانه يصلي عليه ويرحمه.
• والصبر قرين الحلم والعفو عن المسيء وما رأيت صابراً حقاً إلا ورأيته متسامحاً كريم النفس مع خصومه حكيماً في خلافاته وما رأيت صابراً إلا رأيت ناجحاً في قيادته أو مؤسسته أو زواجه أو مع أولاده إذ يتمتع بخاصيتي الصبر والحكمة وقد وجدت ذلك في كتاب الله “وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”.
• ومن رحمة الله بالعبد أن كل شيء في الحياة يبدأ صغيراً ويكبر إلا المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر, كما أن النسيان من أعظم نعم الله, إذ تنسي الأيام المصائب, الصبر جزء من حياة الناس جميعاً ومكون رئيس من مكونات الحياة شاء من شاء وأبى من أبى.
• وقد أعجبني من تعريفات الصبر تعريف الجنيد “تجرع المرارة من غير عبوس”وكذلك قولهم: “الصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب “وقد وصفه الإمام علي بن أبي طالب بقوله “الصبر مطية لا تكبو” وعرّفه عمرو بن عثمان “الصبر هو الثبات مع الله وتلقى البلاء بالرحب والدعة “أي بصدر واسع”.
• وأعظم الصبر هو الذي قاله يعقوب: “فصبر جميل”وهو الصبر الذي لا شكوى فيه, إنك تعرف الرجال حقاً بالصبر عند الصدمة الأولى, وبالصبر طويل المفعول, إذ يحتاج الإنسان إليهما معاً فقد يصبر أحدنا ساعة المصيبة ثم يجزع بقية عمره, والمطلوب الصبر في كليهما.
• وعلي العاقل إلا يعيش أو يدور مع الأحزان لأنها تقتل الأعمار وتدمر النفوس, والرجال دوماً أعظم صبراً في النوعين من النساء, ولكن الله يعطي المرأة طاقة جبارة علي رعاية أولادهن بعد وفاة الزوج, وقد يتوفى أحد الزوجين بعد وفاة شريك حياته بعدة أشهر وكأنهما جسد واحد مات نصفه فلحقه النصف الآخر.
• الصبر مدرسة عظيمة تخرج منها آلاف العظماء من الأئمة والأعلام والحصول علي شهادة هذه المدرسة وأوسمتها ليس سهلاً وأعظم من تخرج من هذه المدرسة الأنبياء والرسل “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ”.
• سلام علي أهل الصبر, وخالص العزاء لكل من فقدوا أحبتهم ومنهم من كتبت المقال من أجلهم.

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى