د.إسلام جمال الدين يكتب: وقف التعامل بمستندات التحصيل واستراتيجية «Win- Win- situation»
بعد إثارة حالة من الجدل على مدار الأيام الماضية في مجتمع الأعمال على ما يبدو أنه هناك تحرك من جانب البنك المركزي في محاولة للإحتواء والتهدئة عقب، إصدار قراره بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية، من أجل طمأنة الشركات العاملة في مجال الإستيراد والتصدير.
طالع المزيد:
لذلك قام اتحاد بنوك مصر بإصدار بيان أوضح فيه آليات تطبيق القرار من قبِل البنك المركزي حيث تم الإعلان عن استثناءات لبعض السلع من القرار، والتي جاء من أبرزها الأدوية والأمصال وسلع غذائية مثل اللحوم والدواجن والأسماك والزيت والفول والعدس والقمح والذرة ولبن الأطفال.
كما تم استثناء كلٍ من الشحنات الواردة عن طريق البريد السريع، وكذلك الشحنات التي لم تصل تكلفتها مبلغ خمسة الآف دولار أمريكي أو ما يعادلها في القيمة من العملات الأخرى.
وكذا تم استثناء فروع الشركات الأجنبية، والشركات التابعة لها من القرار، وتضمن القرار أيضًا تخفيض عمولات الاعتمادات المستندية لتكون مثل عمولات مستندات التحصيل في جميع البنوك، والعمل على تذليل العقبات الخاصة بالعملاء عند فتح الاعتمادات المستندية والرد على استفسارات وشكاوى العملاء.
ورغم كل هذه الاستثناءات التي تم توضيحها إلا أنها أغفلت العديد من الأنشطة الصناعية التي ستتأثر بسبب هذا القرار نذكر منها على سبيل المثال، صناعة الأثاث حيث ستتأثر بسبب عدم اعتماد التجار على أسلوب الاعتمادات المستندية مثل شركات الأخشاب والطلاء والدهانات والإكسسوارات.
وينعكس ذلك على العملية الإنتاجية ويؤثر على إمداد المصانع والورش بالمواد الخام وقطع الغيار التي تحتاج إليها مما يؤدي إلى تدهور صناعة الأثاث في مصر وتراجعها، كما سيؤثر أيضًا على صناعة الجلود.
وعند إمعان النظر والتحليل الدقيق للقرار سيؤدي تنفيذ القرار إلى التأثير على العملية الإنتاجية نتيجة التأخير في وصول قطع الغيار اللازمة لعمليات الإنتاج وكذلك الخامات بسبب الانتظار لحين الانتهاء من فتح الاعتماد المستندي بدلًا من التعامل بسياسة الأمر المباشر مع المورد مباشرةً حيث أنه مطلوب من المستورد أن يضع قيمة الصفقة المطلوبة بالكامل عند فتح الاعتماد المستندي، وتظل الأموال محجوزة بالبنك لحين انتهاء المصدر من إنتاج البضاعة المستوردة وشحنها ووصولها مما سيؤثر سلبًا على المبيعات، وبالتالي فإن القرار يعوق دعم وتشجيع الصناعة الوطنية.
والمتتبع لنظام مستندات التحصيل القديم كان يقوم المصدر بالإنتاج والشحن أولاً ثم نقوم بعمل تحويل مقابل استلام مستندات الشحن التي بها يتم تسلم الشحنة، وكان هناك ثقة بين المصدر والمستورد حيث أن النظام الجديد (الاعتماد المستندي) سيؤدي إلى الحرمان من تلك الميزة التي كان يتم الاستفادة منها.
علاوةً على كل هذا فإن من تبعيات القرار ضعف القدرة التنافسية للمصانع والشركات نتيجة الإخلال وعدم الوفاء بالتزاماتها في تعاقداتها مع العملاء بالتصدير في المواعيد المحددة والمتفق والمنصوص عليها، وزيادة تكلفة الاقتراض والتمويل الناتج عن مقابلة الاعتمادات المستندية لأن جميع الالتزامات الخاصة بالعملية الاستيرادية أصبحت تقع على عاتق طالب الاعتماد مما تجعله يحتاج إلى تسهيلات ائتمانية أكثر لمقابلتها مما يستغرق المزيد من الوقت في الحصول على الموافقات مما يحد من قدرة المصانع والشركات على المنافسة العالمية.
والجدير بالذكر أن المستورد المصري من الشركات والمصانع فقدت ميزة وصول المنتج وفحصه أولًا ثم السداد بعد ذلك، خاصةً وأن دولة مثل الصين مصدريها يرسلون بضائع رديئة أو ذات جودة منخفضة أو يرسلون بضائع أخرى بالخطأ، وبالتالي في ظل النظام الجديد الاعتماد المستندي سيتحمل المستورد المصري أي مخالفات حدثت في عملية التوريد.
ناهيك على أن معظم موردي الصين وأوروبا لايعملون بنظام الاعتماد المستندي ويعملون بنظام الدفعة المقدمة والسداد الآجل ومعنى هذا الكلام أن المستورد المصري وحده سيقوم بتحمل مصاريف الاعتماد في الدولتين، والغريب في الأمر أن القرار الصادر أعطى ميزة للشركات الأجنبية في الاستثناء من القرار مما سينتج عنه إعطاء ميزة لمنتجاتهم في مقابل المنتج المصري.
وحتى تتحقق العدالة والإنصاف يجب عند إتخاذ أي قرار أن يحقق استراتيجية Win- Win- situation بمعنى تحقيق المصلحة والفائدة للطرفين وهنا في هذه الحالة يجب أن تكون الإيجابيات الخاصة بالقرار أكثر من السلبيات وهو مالم يتحقق فالدولة تريد أن تحقق ضبط لمنظومة الاستيراد والرقابة والسيطرة على ميزان المدفوعات وتقليل حجم الواردات خاصةً السلع الاستفزازية وتخفيف الطلب على النقد الأجنبي وهو حق أصيل ومشروع للدولة.
وفي المقابل يجب عليها ألا تغفل حق الشركات والمصانع التي ستتأثر من جراء هذا القرار ولتصحيح وتصويب القرار لكي تتحقق مصلحة الجميع يجب على البنك المركزي إعادة النظر مرة أخرى في القرار ومراجعة ودراسة تأثيره على الشركات وطرحه للحوار المجتمعي حتى يتم تلافي الثغرات والأخطاء في التنفيذ، أو على أقل ما يجب فعله أن يتم القيام باستثناء جميع مستلزمات الإنتاج الخاصة بالعملية الإنتاجية التي يتم إستيرادها من الخارج من أجل عدم تعطل إنتاج المصانع ومنع وتفادي ارتفاع تكاليف الإنتاج وحتى لاتتأثر منتجاتنا التي يتم تصديرها للخارج بعد الإنتهاء من العملية التصنيعية.