طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (20): لايخدعنك الزومبى الأنيق
توجهت فى الصباح الباكر للفندق الذى يقيم فيه الوفد الأجنبى لأصطحب أحد أفراد الوفد وهو صحفى أمريكى اسمه نيومان لاستلام حقيبته من قسم المفقودات بمطار القاهرة حيث أنها تخلفت فى مطار نيويورك ولم تصل على الطائرة التى كان يستقلها ووصلت اليوم على متن طائرة أخرى.
أخذنا سيارة ليموزين من أمام الفندق واتفقنا مع السائق على توصيلنا والإنتظار حتى نستلم الحقيبة ثم العودة بنا إلى الفندق مرة أخرى.
السائق اسمه فتحى كان فى حوالى الخمسين من عمره يبدو هذا من الشعر الأبيض المصفف بطريقة تنم عن إهتمام صاحبه بمظهره.. يرتدى ملابس نظيفة وأنيقة بنطلون رمادى غامق وقميص أبيض وجاكت رمادى فاتح.
أنهينا الإجراءات فى المطار سريعا.. وفرح نيومان وبدت على وجهه علامات الإرتياح بعد ما أستلم الحقيبة وفتحها وتأكد من وجود كل متاعه واشياءه التى سيقضى بها اسبوعين على الأقل فى مصر.
فى طريق العودة كانت الساعة قد قاربت على وقت الظهيرة والشمس ساطعة والجو صحو ودافىء كطبيعته فى أوائل شهر مارس قرب إنتهاء فصل الشتاء، لفت نظر نيومان قصر البارون على يسارنا ونحن قادمين من المطار فى طريق صلاح سالم فطلب منى التوقف قليلا ثم سأل إذا كان فى الإمكان أن ينزل من السيارة لإلتقاط بعض الصور للقصر بالفعل؟.
نزلنا وخلع نيومان جاكت كان يرتديه ووضعه بالسيارة بعدما أحس بحرارة الشمس الساطعة بكامل حلتها وسألنى إذا كان مناسب أن يترك الجاكت فى السيارة لحين عبورنا للجانب الأخر من الطريق لالتقاط بعض الصور حول القصر فقلت له: “لا مشكلة فى ذلك” ، وعبرنا الطريق لنقف أمام القصر وطلبت من السائق أن ينتظر فى السيارة حتى نعود ، اخذ نيومان يلتقط صور القصر ودار دورة كاملة حوله، واستغرق الأمر حوالى عشرة دقائق ثم عدنا فلم أجد السيارة ولا السائق فى نفس المكان بحثت عنه فوجدته يقف فى إحدى الشوارع الجانبية القريبة من الشارع الرئيسي ولما سألته عن هذا قال إن ثمة شرطى مر عليه وأمره أن يغادر حيث لا يسمح بالإنتظار فى هذا المكان .
وصلنا الى الفندق فطلب منى نيومان أن أطلب من السائق انتظاره حتى يضع الحقيبة فى غرفته ليأخذه إلى سوق خان الخليلي فأنتظر السائق أمام باب الفندق وإنتظرت معه حتى يعود نيومان.
بعد دقائق نزل نيومان غاضبا وقال لى مباشرة لقد سرقنى السائق، وقع الكلام علي كالصاعقة قلت له كيف؟
قال : لقد أخذ دولارات وشيكات من جيب الجاكيت عندما كنا تلتقط الصور .
غضبت وسألت السائق وأنا فى ذهول عما إذا كان أخذ النقود فثار فى الحال واحمر وجهه وقال : ” أنا ..أنا أسرق؟!!.. أنتوا ظلمة فتشوا السيارة وفتشونى ” ونيومان يؤكد أنه سرق وينظر فى عين السائق والسائق ينكر بشدة جاء رجل أمن الفندق وفتش السيارة و السائق لكنه لم يجد شيئا.. ولم أجد حلا غير تحرير محضر فى مكتب شرطة السياحة بالفندق.
دخلت المكتب أنا ونيومان والسائق وشرعت اترجم للضابط رواية نيومان وراح السائق ينكر بل ويتهمنا أنا ونيومان بالكذب ثم فجأة دق جرس التليفون فى المكتب، التقط الضابط سماعة التليفون ليرد على الهاتف وتوقفنا عن الحديث ورأينا الضابط تظهر على وجهه علامات الدهشة والذهول ثم اغلق الهاتف ووجه كلامه للسائق الذى كان لا يزال ينتحب ويدعى البراءة قائلا له بغضب: “اسكت كفاية تمثيل لقوا الفلوس مخبيها فى عربيتك”.. وهنا إمتقع وجه السائق وتحول فى لحظات إلى زومبى ذليل يطلب العفو والسماح ويسهب فى البكاء .
وما حدث هو أن احد العاملين المخلصين فى الفندق بعد ما دخلنا مكتب الشرطة ظل يفتش فى كل مكان بالسيارة حتى وجدها فى تجويف داخل هيكل السيارة بالجزء الخلفى لا يخطر على بال أحد.
واسترد نيومان نقوده وتركنا السائق فى مكتب الشرطة.
بقدر ما كنت حزين من تصرف السائق المسىء لنا جميعا بقدر ماكنت فخور بعامل الفندق المخلص الذى وجد النقود وتصرف رجل الشرطة الحكيم .
اعترف لى نيومان أن هذا لم يكن ليحدث لو أنه سرق فى بلده امريكا فالنقود لا تعود ابدا .
عندما اتذكر ملامح السائق وسنه وأناقة ملابسه أتعجب من تصرفه فلم أكن اصدق أبدا أنه يسرق لكنها حالة الزومبى التى تفاجئنا دائما .
عدت إلى المكتب ورويت ما حدث للإستاذ منصف وبقية الزملاء فتعجب الجميع ماعدا جلال اللذيذ الذى قال وهو يرتشف القهوة أمامه: “السائق لو كان مشى بعد ما وصلتوا الفندق قبل أن يكتشف الرجل إختفاء النقود كان فلت من الإتهام والعقوبة، فعقب الإستاذ منصف قائلا له بسخرية “ماشاء الله تفكير إجرامي عتيد انت كنت بتشتغل حرامى قبل ما تيجى الشركة؟!”.. وضحكنا جميعاً.. وفجأة:
دخل علينا أحد الباعة المجاورين للمكتب وهو يصيح الحقوا وليد ساعى المكتب اخذه البوليس فى سيارة الشرطة.
خرجنا مسرعين لنستطلع الأمر ولحسن الحظ وجدنا سيارة الشرطة لم تغادر واثنين من رجال الشرطة يقفان أمامها ووليد جالس بالخلف تقدمت من ضابط الشرطة وشرحت له أن هذا الشاب وليد يعمل فى الشركة فقال لى بإستنكار “ده ماشى ورانا يتفرج علينا كأن شغلنا فرجة”، فحدثناه أن يسامحه ويطلق سراحه فأطلق سراحه منبها عليه ألا يتتبع أحد ويسير فى طريقه ولا يتلكىء حتى لا يثير الشبهات تذكرت المثل الإنجليزى
القائل curiosity killed the cat ومعناه: “الفضول قتل صاحبه”.
نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء .