د. محمد ابراهيم بسيوني يكتب «شأن عام»: الاستثمار فى الـ post-doc

تقوم الجامعة على ثلاث وظائف يمثلها عضو هيئة التدريس هي التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع وليست مؤسسة منعزلة عن قضايا المجتمع ومشاكله.

إنها مكان لإعداد العلماء والباحثين، والكوادر والخبراء الذين يقع عليهم عبء التخطيط، ووضع البرامج التى يسترشد بها المجتمع فى مسيرته، ولا بد من تفاعلها مع قضايا الصناعة والزراعة والبيئة، ومشكلات المجتمع الطبية والاجتماعية والسلوكية، وكافة مجالات الحياة.

طالع المزيد:

 

ومن المعيب فى حق الأمة، أن يكون دور الجامعات هو استقبال مئات الألوف من الطلاب، تدفع بهم المدارس كل عام، ثم تدفع بهم الجامعات الى ميادين الحياة غير مؤهلين وغير مدربين، وغير أكفاء.

وفي البحث العلمي قلما تجد باحثا يعمل وينشر بمفرده، معظم الباحثين ينخرطون في مختبرات وفرق بحث وبرامج بحث من أجل الإفادة والإستفادة وتبادل الخبرات وتوحيد الجهود وتذليل الصعاب.

ومن الناحية البشرية نحن في مصر نمتلك من الكفاءات والعلماء والباحثين المتميزين أغلبهم ينشرون أبحاثا في أرقى المجلات العلمية العالمية وبراءات اختراع يومية يمكن أن يعملوا ويبدعوا أكثر إذا توفرت لهم الوسائل، والدليل أنهم إذا هاجروا للخارج أبدعوا وتألقوا. كما نمتلك خزانا لا ينضب من القوة الشبابية التي تعتبر كنز وطني مستقبلي إذا ما وجه توجيها جيدا وتم تكوينه.

ولا يمكن أن تحاسب مختبر بحث على إنتاجه العلمي وأنت لم توفر له أدنى شروط البحث، وفي أغلب الأحيان مختبر واحد لا يستطيع اقتناء كل الأجهزة اللازمة. يجب في هذه الحالة الاعتماد على مراكز البحث التي توفر هذه الأجهزة وتوفر خدمات بمقابل مادي.

البعثات العلمية واستقطاب العلماء، برامج التبادلات الطلابية، تنظيم التظاهرات والملتقيات والمؤتمرات العلمية كلها من أساسيات تطوير البحث العلمي، يجب أن توفر لها ميزانيات محترمة لأنها ستكون بذاتها جاذبة للأموال والعملة الصعبة زيادة لكونها فائدة للجامعة والأستاذ الباحث والطالب.

وتفعيل الإتفاقيات الدولية بين المؤسسة الجامعية أو مختبرات البحث والمؤسسات المماثلة في الجهة الأخرى والتي عادة ما تبقى حبيسة الأدراج. والتفعيل لن يتم إلا بنشر المعلومة والإشهار والتحفيز والدعم.

لذلك فنحن نحتاج في جامعاتنا لوجود معامل بحثية متميزة وتسهيل التمويل البحثي وتخفيف العراقيل الإدارية والاهتمام أكثر بجودة الأبحاث لذلك اقترح للتدريب ما بعد الدكتوراه Post-doc.

الباحث بعد الدكتوراه يحتاج للخروج من مرحلة المتطلبات الأكاديمية لمرحلة التدريب لأجل الاستقلال الموجه والإنتاج المعرفي من خلال post-doc.

و‏الدول الصناعية تستثمر في post-doc لأنهم علماء المستقبل وأساس نقل المعرفة للدول التي تسعى للاقتصاد المعرفي.

ودول صناعية كثيرة بالأخص الآسيوية منها (اليابان، الصين، كوريا، الهند) ترسل الكثير من الباحثين لعمل البوست دكتوراه لسنوات في جامعات ومراكز عريقة ليعودون ويصبحون علماء معرفة واقتصاد معرفي عالمي، والكثير منهم مرشحين لجوائز عالمية، وبالذات دولتي الصين واليابان وتعتبران من الدول المتقدمة والمتسارعة علمياً، للأسباب الآتية:

١- يحدد المركز المتخصص في هاتين الدولتين عدد معين من العلماء المتميزين عالميا وعلمياً (وليس تحديد دولة) في تخصص يحتاجونه.

٢- يوظفون مجموعة متميزة من باحثين من طلاب الدراسات العليا أو باحثين ما بعد الدكتوراه post doc ويرشحونهم للتدريب.

٣- يقوم وفد من هذا المركز الآسيوي مع هؤلاء الطلاب أو post doc، مثلا، بزيارة المعهد أو المركز الذي ينتمي له العالم المتميز ويقابلون الإدارة والعالم ويوقعون مذكرة تفاهم (تدريب ونقل معرفة وتعاون طويل الأمد بين المركز الآسيوي وهؤلاء العلماء).

٤- خلال فترة التدريب (٢-٤ سنوات) تكون هناك زيارات متبادلة لنقل المعرفة التدريجي.

٥- بعد انتهاء التدريب يعودون لمراكزهم ويؤسسون معامل متخصصه في تلك التخصصات التي كان لديهم شح فيها ويستمر التعاون بين الطرفين.

قد لا تكون الآلية دقيقة حسب سردي لها، ولكن يبدو لي من المشاهدات ومن حواري مع بعض الزملاء من هذه الدول والمشرفين انفسهم، ومن وجهة نظري الشخصية أنها آلية صحيحة وسريعة وذات فاعلية في نقل المعرفة في الفجوات المعرفية لدى بعض هذه الدول.

 

زر الذهاب إلى الأعلى