طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (21): حرب السيارات
أول مرة اكتشف أن بيتنا اختفى بيتنا الصغير ذو الطابقين فى حى الظاهر القديم أصبح محاط بأبراج شاهقة من جميع الاتجاهات بعد ما كان الشارع فى منتهى الهدوء أصبح يعج بالسكان والسيارات، وراح الناس يضعون الأحجار أمام العمارات كى يحجزوا بها مكان لركن السيارة حيث أن الأماكن فى الشارع لاتكفى.
كل يوم اشاهد مشاجرات بين سكان الأبراج بسبب ركن السيارة وبسبب فواتير المياه والكهرباء والصيانة المستحقة على العمارات لا احد يريد أن يتحمل المسؤولية هذا هو حال الزومبى عندما يتكاثر وينتشر بلا تخطيط .
كل يوم ياتى مقاول يشترى بيت صغير من طابقين أو أربعة طوابق على الأكثر ثم يهدمه ويبنى مكانه برج من عشرة طوابق أو أكثر أسفله مجموعة من المحلات ويحصل على الملايين من الجنيهات ويرحل ويترك المكان ليبحث عن مكان آخر يغرس فيه أنيابه.
والنتيجة تفاقم الزحام وتلاصق البنايات وعجز المرافق وتلوث الهواء وسوء التهوية تعلمنا قديما أن المسكن هو مكان للراحة والجمال .
وأذكر هنا مؤسس مصر الجديدة البارون أمبان بمشاركة باغوص باشا الذى لايزال اسمه يطلق على أحد الكبارى القديمة فى منطقة الشرابية عام ١٩٠٥م عندما اسسا شركة هليوبوليس للبناء والتعمير لبناء مدينة سكنية على أعلى المستويات من حيث التخطيط والمناطق الخضراء وأماكن الترفيه والأسواق والشوارع العريضة ومراعاة المساحات الخالية بين الفيلات والعمارات وهذا سر صمودها حتى الآن واستيعابها لزيادة السكان والسيارات .
والبارون أمبان البلجيكى الأصل هو أول من أدخل الترام فى مصر أيضا كوسيلة مواصلات .
هذا هو الفرق بين الإنسان الطبيعى والزومبى فالإنسان الطبيعى يميل إلى التخطيط والنظام اما الزومبى فهو يميل إلى العشوائية والتمدد بلا حساب، يكره التنظيم والجمال فى آن واحد.
هو نفس الزومبى الذى يكره الإلتزام بالدور أو الإلتزام بأى شىء أو قانون.
حادث ظريف يلقى الضوء على تصرفات الزومبى ذلك أن أحد سكان الأبراج الجديدة ترك سيارته في منتصف الشارع وصعد إلى شقته فأغلق الشارع تماما أمام سيارات بقية السكان، فأتى ساكن أخر وركن سيارته خلفه مباشرة وغادر فلما نزل الزومبى الأول راح يبحث بغضب عن الزومبى الثانى الذى سد عليه الطريق بحيث لا يستطيع الخروج فلم يجده فأفرغ هواء إطارات سيارته جميعا ومشى فلما نزل الزومبى الثانى وجد جميع إطارات السيارة فارغة من الهواء فراح يسب ويلعن واستدعى الشرطة بكل بجاحة ليحرر محضر للزومبى الأول.
تغير الحى تماما بعد تعرضه لغزو الزومبى من كل مكان فبالإضافة لزيادة الكثافة السكانية التى تسببت فيها الأبراج يأتى كل يوم عدد لا بأس به من الباعة الجائلين من القرى يقفون فى أى مكان لايهم إذا كان أمام باب عمارة أو على الأرصفة فلا تتعذر حركة السيارات فقط بل تتعذر حركة المشاة.
هؤلاء الباعة سرعان ما يستوطنون المكان بيوتا صغيرة أو أكشاك عشوائية يعيشون فيها وتتفاقم الأزمات والمشاكل وينجح الزومبى فى القضاء على التنظيم والجمال واستبداله بالفوضى والقبح. “مضطر اسيبكم دلوقتى علشان فيه واحد زومبى قافل علي عربيتى علشان الحق اروح الشغل”
نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.