الحج إلى الأوهام.. الطواف حول شجرة النجيلي وضريح سيدي العراقي للإنجاب والزواج

كتب: إسلام فليفل

“أمنا الغولة”، و”أبو رجل مسلوخة”، و”عروسة البحر”، والتوسل لغير الله لقضاء الحاجات، خرافات تربى عليها العوام، وصارت جزء من مكونهم الثقافى، لكن مع التعليم والتنوير، تحرر كثيرون من تلك الأساطير والخزعبلات، لكن هذا لا ينفى أن البعض ما يزال يعتقد فيها ومتعلقًا بها، وأكثر من هذا يعتبرها جزء من الموروث الدينى “المقدس”.

ويذهب خيال هؤلاء إلى ما هو أكثر، فيخلق عوالم افتراضية، تسيطر عليها تلك الأفكار بشكل كبير، وخاصة فى المجتمعات الريفية، وغير الحضرية التى ترتفع فها نسبة الأمية، فيكون من السهل التصديق بأخبار الخوارق الكونية والقوى المسيطرة ذات القدرة على إحداث معجزات، حتى ولو لم يكن هناك أي دليل على حدوثها.

اقرأ أيضا.. «يعيش المثقف على مقهى ريش مزفلط محفلط».. ومبدعة إماراتية تتغزل فى المكان

ومن أغرب السلوكيات المتوارثة التي لن يستطيع أحد تغييرها هي التوسل بالجمادات والحج والطواف إلى الأشجار والمقامات والآبار والأحجار التي تناقل الناس عنها أن لها كرامات ومعجزات.

ويحدث هذا على الرغم  من أن أحدًا لم ير معجزة بعينه، فإن الناس قد صدقت ما يتردد عنها، ولا يجرؤ أحد أن يتفوه بما لا يليق في حق أصحاب الكرامات التي لا تعرف أصلها أو فصلها.

أصحاب الكرامات

ولأن الشعب المصري يسعى في أوقات الشدة أن يتعلق “بقشاية”، فأصبح لأصحاب الكرامات الوهمية قوة لا يستطيع أحد أن يقف أمامها، وأكثر الذين تظهر تعاملاتهم بوضوح النساء اللواتي يردن الزواج أو الإنجاب أو إنجاب الذكور بعد إنجاب عدد من الإناث، والرجال الذين يريدون سعة في الرزق أو الإقبال على مرحلة جديدة في الحياة، فيعود لصاحب الكرامات كي يأخذ رأيه في المستقبل على أمل أن يرسل له رسالة قبول أو رفض.

شجرة الشيخ النجيلي

شجرة الشيخ النجيلي في مصر، ذاع صيتها إلي بعض الدول العربية والأجنبية، ففي بعض المواسم والأعياد تجد زوار للشجرة من مناطق عربية عدة، وأهم هذه الأوقات على الإطلاق عيد شم النسيم، ويمارس الزائر طقوسًا غريبة اعتقادًا منه أن هذه الطقو س هي التي ستصل به إلي مراده، وللرجال طقوس تختتلف كثيرًا عن طقوس النساء.

طقوس الرجال المتعلقة بشجرة الشيخ النجيلي، تبدأ بزيارة المكان بعد صلاة الفجر مباشرة، ثم يقوم الزائر بالطواف حول الشجرة سبعًا، ثم يطلب مباركة الشجرة ظنًا منه أن مطلبه سيتحقق في القريب العاجل، لأنه قام بتوسيط الشيخ النجيلي عند الله لتلبية مطالبه، باعتبار أنه أكثر تقوى وسيتوسط عند الله لإعطاء الرجل مطلبه.

وقت النساء

أما النساء فتختلف طقوسهن كثيرًا عن طقوس الرجال، فبينما كان النهار منذ  مطلع الفجر هو الوقت المحدد للرجال لزيارة الشجرة، يبدأ وقت النساء من بعد صلاة العشاء وحتى أذان الفجر، ومنذ أن تطأ المرأة مكان الشيخ النجيلي تقوم بخلع ملابسها والاستحمام على حجر بجوار الشجرة، ثم تبدأ بالطواف وتترك جزء من ملابسها معلقة على الشجرة.

بركات الشيخ

هايدي عبد الرحمن، إحدى السيدات التي تثقن في قدرة الشيخ النجيلي، تقول: “أختي لم تنجب ومر على زواجها تسع سنوات، فوجئت بها تناديني وتقول لي إنها قررت الذهاب إلي الشيخ النجيلي في قرية جمجرة، وطلبت مني أن أرافقها، قالت لي من غير المعقول أن يأتي إليه الناس من المحافظات ولا نذهب له نحن، فنحن أولى بخيرات وبركات الشيخ النجيلي”.

أما نور الهدى عاطف، من قرية شنواى التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، فتسرد قصة المقام المزعوم، قائلة: “إننا نؤمن بكرامات سيدي محمد العراقي.

عابر سبيل

وتحكى فتقول إنه منذ عشر سنوات زارنا عابر سبيل وطلب من جدي أن يستضيفه في منزله المجاور للمقام، وقبل  طلوع النهار كان الرجل قد سرق محتويات ثمينة من منزلنا وهرب، وحينما خرج جدي لصلاة الفجر بالمسجد الذي يتوسط منزلنا والمقام، وجد اللص لا يستطيع أن يتحرك عند مقام سيدي محمد العراقي.

وتواصل حكايتها فتقول: أبلغ اللص جدي أن كرامات الشيخ العراقي هي التي قيدته عن الحركة، ومن حينها أصبح للمقام كرامات ويأتى إليه زوار من كل أنحاء المحافظة، ليطلبوا ما يتمنوه لدرجة أن أغلبهم يزور المقام في أوقات منتظمة خلال العام”.

“الشيخة اعتدال”

بينما أكدت عبير تهامي، ربة منزل، أن الإسماعلية واحدة من المحافظات التي لم تخل من الشعوذة، حيث إن بها ضريح “الشيخة اعتدال”، الكائن بشارع رضا الموجود في دائرة حي ثان الإسماعلية.

والضريح يوجد في منزل مبني بالطوب اللبن ولا يستطيع أصحابه هدمه لتجديده وإلا انهالت التهم عليهم من كل ناحية، حيث إنه ملجأ للحوامل اللاتي يردن إنجاب الذكور أو الرجال الذين يعتقدون أن زيارة الضريح ستجلب لهم أرزاقا أكثر مما يمتلكوه.

وأشارت إلى أن قصة “الشيخة اعتدال”، ترجع إلى منتصف القرن العشرين، حينما ماتت فتاة عشرينية كانت مريضة بالجنون، وقبل دفنها بلحظات تعالت الهتافات وجرى الناس وقالوا إن “نعش” الفتاة قد طار ويريد أن يطير لتدفن في منزلها ومن وقتها انتشرت القصة كالنار في الهشيم وذاع صيتها في الكثير من محافظات مصر، وأصبحت مكانًا ليحج فيه الناس ليطلبوا مايريدون وكأن “اعتال” تملك تحقيق أمانيهم.

وفي محافظة قنا بصعيد مصر، تؤكد إسراء رمضان، ربة منزل، أن الحال في الصعيد أصعب بكثير من الحال في محافظات الوجه البحرى، خاصة في قنا، لأن الطقوس هذه المرة مرتبطة بالدم والذبائح، فتمارس النساء عادة زيارة السوق والتجول به من أوله إلى آخره في موعد محدد.

يوم العوض

ومع أخر خميس في الشهر العربي، يقيم النساء عددا من الطقوس الغريبة ويسمى هذا اليوم بيوم العوض أى طلب الإنجاب أو الشفاء من الأمراض الغريبة أو الجلدية التي تحدث في اعتقادهن نتيجة الحسد والغيرة الشديدة من أنثى لأنثى وسرعان ما تنتهي الأنثى من تجوالها في السوق وتذهب إلي مقابر محافظة قنا حيث يوجد ضريح الشيخ سليمان، والذي يعتقد الناس أن له من الكرامات ما تعوض زائره عما فقده.

عبادة للأصنام

د. أحمد حسين، خبير إدارة، أكد أن تلك الشعوذة تعتبر عبادة للأصنام لأن الشخص المقتنع بهذه الأفكار يذهب ناحية أن هذه الأشياء خارقة للعادة، ولأن هذه العادات ترجع إلي نقص ذاتي في المجتمع يحاول البعض أن يعوض هذا النقص، ويتم هذا التعويض من خلال الطريق العلمى أو الطريق الشرعي إلا أن المجتمع يترك تلك الطرق ويلجأ إلي طريق آخر لإشباع حاجاته من خلال شخص أو شيء يرى أنه قادر على حل مشكلاته.

ويواصل قائلا أن المشكلة نفسية غالبا فتتلاشى، ويعتقد أن الشيء الذي لجأ له بعيدًا عن الطرق الصحيحة هو من استطاع حل مشكلته، وبالتالي يروج ويدعو له لتتأكد المعتقدات الموروثة، والتي نسعى إلي محاربتها، ولكن الجهل والأمية يقفان حائط صد لكل محاولات التصحيح، لدرجة أن نسبة الإنفاق على الشعوذة تتخطى الـ4مليارات جنيه، بالإضافة إلي عدم وجود إحصائية دقيقة تؤكد أن هذا الرقم صحيح أم تم تجاوزه بمراحل، ولدينا نسبة أمية في مصر تتخطى حاجز الـ35في المائة كلهم يؤمنون بالخرافة أكثر من إيمانهم بالعلم والطب، فتجد المشعوذين تكتظ أماكنهم بالزائرين أكثر من المكتبات أو حتي عيادات الأطباء.

فيما أكد د. أسامة عبد المنعم، خبير التنمية البشرية أن جزءًا كبيرًا من الشعب المصري لا يثق في نفسه، وهذه المعلومة معروفة منذ زمن حتي استطاع الدجالون والنصابون التأثير عليهم بشكل أو بآخر والكارثة الكبرى تكمن في أن هؤلاء النصابين أصبحوا جزءًا لا يتجزأ عن المجتمع، فلقد انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات الدجل والشعوذة وجلب الحبيب في كثير من القنوات التليفزيونية، لدرجة أن كثير من السياسيين والفنانين أصبحوا من المترددين وبقوة وبشكل دوري على من يزعمون أنهم أصحاب القدرات الخارقة، وهذا يدل على الكساد الفكري والثقافي والمجتمعي بسبب المعتقدات الموروثة التي يجب أن يتخلى عنها الجميع ويتمسكون بالشرع والعلم فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى