كيف تصبح عرّافا؟.. السر في ربط حركة الكواكب والنجوم بميلاد الشخص لتعرف كل شيء عنه
كتب: إسلام فليفل
بمجرد قراءتك للعنوان، ستتخيل إننا بصدد الحديث عن شبح أحد الرجال، يحمل فوق رأسه قرطاس من القماش، يتشح بعباءة سوداء تتناثر بها نجوم ذهبية يمينًا ويسارًا، ويمسك بيديه عصاه محدبة قليلًا يلوح بها ليرى مصير البشر وتحركاتهم ومستقبلهم، وهي الصورة التقليدية التي اعتاد أن يراها الجميع للمُنجم أو العرّاف كما يطلق عليه في معظم الوقت، إلا أن الواقع أجبر مرتادي تلك الشخصية على تغيير ملامحهم وملابسهم، ليتماشوا مع مستجدات العصر الحديث.
اقرأ أيضا.. «يعيش المثقف على مقهى ريش مزفلط محفلط».. ومبدعة إماراتية تتغزل فى المكان
علم النجوم وربطه بحياة البشر، مر بمراحل عديدة، حيث بدأ من الدولة العباسية التي طبعت تأثيرها في نفوس العرب، حيث أخذ هذا العالم جرعاته في العصر العباسي، فوصل المنجم إلي درجة وزير، ليعيش حتى اليوم مستمدًا قوته من المنجمين في العالم العربي!
في هذه السطور.. تقتحم “بيان” عالم العرّافين، وتنقل تفاصيله إلي قرائها.
رغم تردد الكثيرين على هذا المجال، بل واعتباره مهنة للكثير منهم، إلا أن لكل مجال طرقًا لدخوله وإتقانه كما تقول “عبير مكي” أستاذ علم الأرواح كما عرفت نفسها، موضحة أنه لكي يتمكن الإنسان من مزاولة مهنة التنجيم أو الدخول في علم الفلك فلابد أن يكون على دراية بعدة أمور، يأتي في مقدمتها معرفة العرّاف بتاريخ ميلاد صحيح من حيث اليوم والساعة والدقيقة للحالة التي يتعامل معها، وهذه المعلومات نادرًا ما تكون متوافرة بهذه الدقة لدى جميع البشر، كما ينبغي أن يكون المنجم على دراية عالية بعلم التنجيم وكيفية ربطه بالاستناد على التقدم الأولي لتاريخ الميلاد، ثم يقوم برسم خارطة الميلاد الفلكية.
في هذه الخارطة يرسم المنجم أولًا دائرة مكتملة تمامًا، وهي القبة السماوية التي تمثل الأبراج الأثنى عشر ومؤشر عليها مكان تواجد الكواكب العشرة وأبواب أو بدايات البيوت الأثنى عشر في الماضي، بشكل متصل إلي بداية التاريخ، وهذه المرحلة يعتبرها محبو هذا المجال هي أصعب بالنسبة لهم.
الخطوة الثانية هي تفسير الخارطة الفلكية، وهو ما تتم دراسته بشكل موسع في علم الفلك، حيث يقوم خلاله الدارس لعلم الفلك بتدوين للصورة الفلكية في لحظة معينة، ومن ثم تعليل الأحداث الجارية أو التنبؤ بأحداث قادمة، وفي هذه المرحلة تم نشر ما يزيد على1000كتاب خلال آخر 5 أعوام، منها المسموح ببيعه في المكتبات العامة، ومنها غير المرخص والذي يُباع على الأرصفة وفي أماكن غير رسمية، وهو ما قاله مصطفى عبد الله صاحب مكتبة الإخلاص بمنطقة وسط البلد، الذي كشف أن سوق بيع الكتب المرتبطة بالتنجيم وعلم الفلك والأبراج عليه إقبال شديد من فئات عمرية تتراوح من 20 إلي 60عامًا، منهم من يشتريها للتسلية، ومنهم من يشتريها للتعلم للعمل بها فيما بعد.
وأضاف “عبد الله” أن العمل في التنجيم أصبح اليوم أسهل بكثير عما يعتقدة الكثيرون سابقًا بفضل الكتب والمطبوعات الموجودة في الأسواق، حتى أنه هو نفسه أصبح على دراية بأن الخارطة الفلكية تتكون من 12بيتًا، وكل منهم هو عبارة عن قطاع معين لنشاطات حياتية معينة أو مجال معين من الحياة اليومية، مثلا البيت الأول يشير إلي الشخصية والنية البدنية وشكل الجسد، والبيت الثاني يشير إلي الحالة المالية والثالث يغطي الأهل والمعارف والمواصلات والاتصالات، أما الرابع ففيه سكن الشخص وموطنه والخامس أطفاله وذريته والنسل الذي سيأتي بعده، أما البيت السادس فيتضمن الحالة الصحية والمستخدمين الذين يعملون للشخص، والبيت السابع الشركاء سواء في العمل أو في الحياة، موضحًا أنه يمكن لأي شخص سواء كان منجمًا أو لم يكن أن يصل إليها بكل سهولة عن طريق اقتناء الكتب الحديثة أو القديمة، وهو ما ينطلق على مدلولات كل من الكواكب العشرة وأيضًا الروابط أو الزوايا التي تربط بينهم، لذا أصبحت عملية التفسير أشبة بتجميع المكعبات المتناثرة أو الكلمات المتقطعة.
وفيما يتعلق بالتنبؤ، قال إنه لا يمكن لشخص أن يتنبأ بشكل طائرات المستقبل أو متى سيموت شخص معين أو متى سيتم رفد شخص من عمله، وهذا لا علاقة له بالعلم على أي صعيد، وذلك لأن حدود التنبؤ بالتنجيم الفلكي الشخصي محصورة بحدود الخارطة الفلكية للميلاد والادوات المعدودة من أدوات التنجيم، مثل المرور والتقديم لأحد الكواكب تجاه كوكب آخر أو نقطة معينة في الخارطة الفلكية، وهنا تجمع مدلولات تلك التشكيلة الفلكية الجديدة الحاصلة في تاريخ معين ليستخرج منها احتمال حصول تطور ما ممكن أن يشهده الشخص، والذي ممكن أن يتشكل على شكل حدث أو خبر أو ما شابه، لكن كل ذلك من ضمن مدلولات الخارطة الفلكية وحسن فهمها والخبرة التي يتمتع بها المنجم، مؤكدًا أنه ليس هناك سحر أو خوارق أو معجزات، أو التنبؤ بعلم الغيب كما يدعى البعض، الأمر كله يتعلق بالقدرة على تفسير مواقع الكواكب وعلاقتها بتفاصيل حياة الشخص منذ لحظة ميلاده وإلي وقت لجوئه للمنجم.
على صعيد متصل، نجد عددًا كبيرًا من الأفراد اتخذوا من الأمر مهنة وسبيل لكسب الرزق، خاصة أمام المساجد الكبيرة، حيث يتواجد عبد الهادي محمود أمام أحد المساجد بوسط البلد، يحمل سبحة كبيرة ذات الحبيبات الكبيرة، يلوح برأسه يمينًا ويسارًا يغمض عينيه معظم الوقت ويستقر النظر في بعض اللحظات لتفحص هيئة المترددين عليه، معظم جليساته من السيدات خصوصًا المنتميات للطبقات الاجتماعية المتدنية والاقتصادية العالية، فالمترددات عليه لديهن أموال، لكن يفتقدن الثقافة والمعرفة التي تمنعهن من طلب المساعدة، وهو غالبًا لديه تسعيرة افتتاحية يحصل عليها قبل البدء في الحديث تترواح ما ين 30إلي 50جنيهًا، وتسمى “النفحة” تدفعها السيدة ثم تبدأ في سرد مشكلاتها، والتي غالبًا ما تتعلق بربط زوجها أو التضرع من أجل تزويج ابنتها الوحيدة قبل التحاقها بقطار العنوسة أو التذلل للحصول على دعاء يشفى ابنها من مرض ما.
أيًا كانت نوع الاستشارة، فالعلاج واحد وهو رُقية شرعية يستخدم خلالها العرّاف يديه اليمنى في المسح على رأس الحالة المطلوب لها الشفاء، ومرددًا بعض المقولات والآيات القرآنية التي لا يسمعها أحد غيره، وتدفع بعدها الحالة مبلغًا آخر ثمينًا للرقية، وإذا كانت الحالة مستعصية من وجهة نظر العراف، يطلب رؤية الحالة مرة أخرى حتى يتمكن من تقديم يد العون لها كما ينبغي من وجهة نظره.