أسماء خليل تكتب: صاحب الرَّغِيف
إنَّها مقاييسُ الله التي تختلفُ عن مقاييس البشر، ربما بدايات الأعمال.. ربما الخواتيم.. الأهم ألَّا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ حسن.
أرازاقٌ يوزعُها سبحانه أعلاها الرضا والقبول.. ربما يهبُك الفردوس الأعلى لنقاء قلبك، أو لشق تمرة تمنحها لفقير، أو لتصدقكَ ببسمة رقيقة لأخيك.. الأهم ألَّا تتسرع بالحكم على أحد بالصلاح أو الفساد وتتألى على الله.
إذا علمت ماذا حدث مع “صاحب الَّرغيف”؛ فستختلف كل مقاييسك في الحكم على البشر وما يصنعون من خير أو شر، فقد حكى “أبو موسى الأشعري” لأولاده أن رجلًا من بني إسرائيل كان زاهدًا راهبًا عابدًا، مُنقطعًا عن الناس بعبادة ربه في خلوةٍ اصطنعها لنفسه عند سفح الجبل، وكان ينزل إلى المدينة أسبوعًا كلما أوشك متاعه على النفاذ،،
كان الرجل ذو هيبةٍ واحترامٍ بين الناس كلما رأته أعينهم، وأسرُّوا في أنفسهم حديثًا لمسته قلوبهم أنَّ الراهب من أهل الجنة.. عَبَدَ الرجل ربه – دونما اعوجاجٍ عن السراط المُستقيم- سبعين عامًا كاملة، وريثما أتم ذلك العقد السابع من عمره، نزل إلى السوق ليشتري ما يقتات منه، فما لبث تسوقًّا حتى سرق قلبه حُسن امرأةٍ ذات جمال، فوقع بها وقضى معها سبع ليالٍ مأخوذًا هائمًا،،
استفاق الراهب بيومه الثامن، فظل يبكي ندمًا، وكلما مشى خطوات همَّ ساجدًا لله حسرةً، حتى وجد نفسه بصحراء جدباء لا زرع بها ولا ماء.
شعر الراهب في نفسه بحاجة ماسة للطعام والشراب، بعدما لفحته الصحراء بشمسها الحارقة، فجلس يستريح قليلًا، وإذا به باثنى عشر رجلا من الفقراء والمساكين يسكنون ذلك المكان الذي بلغه بعد عناء السير، وإذا برجلٍ يعملُ لوجه الله، أتى راكبًا ناقته ووزع عليهم اثنى عشر رغيفًا كعادته كل يوم، وكان العابد من بينهم، فوجد الرغيف في حجره،،
قام رجلٌ من هؤلاء الفقراء مُهلَّلًا أين رغيفي؟!.. فقال الرجل الذي يعطيهم الأرغفة أنا قمتُ بتوزيع نفس العدد اليومي عليكم، لا ذنب لي فيما حدث ثم انصرف، كان الراهب يقتله الجوع ولا أحد يلومه إن أكل الرغيف؛ فآثر الرجل الفقير على نفسه، وقام وأعطاهُ الرغيف..مات الراهب من يومه، وُزِنت عبادة السبعين عامًا وخطيَّة السبع ليالٍ، فرجحت كفة أيام الذنب وكان الرجل من أهل النار..فوُزِن جُرم السبع ليالٍ التي محت عبادة السبعين عامًا مع الرغيف الذي أعطاه للرجل الفقير ؛ فرجحت كفة الرغيف فدخل الراهب الجنة.
لم تكن الحكمة – فقط – في منح الراهب الرغيف للرجل الفقير؛ ولكن لكونه كان في احتياج ماس لتلك اللقيمات التي بإمكانها إقامة صلبه، ولكنه فضَّل أخيه على نفسه، فيقول الله – سبحانه وتعالى- في محكم آياته من سورة آل عمران {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }..
لا تدري هل رغيفٍ سيُدخِلُكَ الجنة!.. أم زيارة مريض.. أم شهادة حق.. أم كلمة.. مجرد كلمة لا تلقي لها بالًا.. أم غُصن شجرة تقومُ بتنحيته عن الطريق فيشكرُ الله لك ويُدخلك الجنة، مثلما فعل أحدهم يوما..
بينما أنت في طريقك بالحياة.. اربت على ظهر قطة.. اسقي كلبًا.. أطعم جائعًا.. وجِّه طفلًا.. قُل كلمة تخفف بها على مُبتئس.. اعطِ جُنيهًا لمستشفى 57357..ازرع شجرة.. فلا تدري أي الأعمال ستقربكَ إلى الله.. ولربما يجد المرء نفسه بجنة الخلد بسبب تصدقه برغيف.
اقرأ أيضا للكاتبة: