طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (22): زومبى العقارات

تعرفت اليوم على أحد المقاولين الكبار من المطرية الذى جاء ليشترى قطعة أرض فى المنطقة بملايين الجنيهات، وقد جاء ليتعرف على منصور صاحب القهوة ويسأله عن الحى حتى يتجنب المضايقات إذا ما قرر البناء على قطعة الأرض التى ينوى أن يشتريها.

أسلوب متبع عند المقاولين الذين يتعرضون عند البناء لسيل من الشكاوى وسرقة مواد البناء ومطالبة الأشقياء فى المنطقة بمبالغ مالية كبيرة مقابل حمايتهم وضمان عدم التعرض لهم.

هذا المقاول الذى نناديه عم فرج كان يبدو عليه السذاجة والطيبة على غير الحقيقة، وسوف تعرفون لماذا حالا.

فى البداية عندما عرفت قصته تعجبت كثيرا من شخصيته فهو فى الأصل فلاح من قرى الصعيد ترك الفلاحة وباع قطعة أرض صغيرة يمتلكها منذ زمن، وأتى إلى ضواحى القاهرة بالتحديد فى منطقة المطرية التى كانت وقتها قرية زراعية، فى طور التحول للمدينة.

اشترى قطعة أرض من أحد مقسمى الأراضى من بدو سيناء الذين استولوا على الأرض بوضع اليد عندما هجروا من سيناء بسبب الحرب عام ١٩٦٧، وبنى عليها عمارة من ثلاثة طوابق فى كل طابق شقتين أقام فى شقة وقام بتأجير بقية الشقق وهو ما ضمن له دخل ثابت كل شهر.

وراح يتاجر فى مواد البناء حتى اشترى قطعة أرض ثانية وثالثة، كانت الأرض هناك تباع بأسعار زهيدة نظرا لعدم وجود مرافق وخدمات لكنها كانت فى نفس الوقت قريبة من مصر الجديدة يقول لى لقد شاهدت القرية والأراضى الزراعية الخصبة تتحول خلال سنوات إلى عمارات خرسانية شاهقة.

وكان المقاولون هم من يقومون بتخطيط الشوارع ومن الطريف أنهم كانوا من أجل أن يحصلوا على مرافق المياه والكهرباء يقومون ببناء مسجد وسط المنطقة وعندما تقوم الأجهزة المعنية يتوصيل المياه والكهرباء للمسجد يقومون بعمل وصلات غير شرعية من وصلات المسجد الحكومية إلى عماراتهم وبيوتهم، ما أدى فى كثير من الأحيان لانفجار مواسير المياه وإنقطاعها هى والكهرباء لفترات طويلة.

شبكة من الزومبى نمت وترعرعت وأثرت على حساب الدولة التى كانت مضطرة إلى غض الطرف، حيث أن المكان يستوعب جزء كبير من الطلب على السكن ولإنشغالها بقضايا كبرى كثيرة فى هذا الوقت.

وصدر قانون وضع اليد والتقادم ووفق هؤلاء أوضاع مخالفاتهم واعترفت الدولة بملكيتهم للأراضى التى اشتروها من المزارعين وحولوها للبناء السكنى أو التى استولوا عليها بوضع اليد.

عم فرج ومثله كثير فى هذه المناطق أصبحوا مقاولين كبار لديهم ثروة كبيرة لا يستهان بها حصلوا عليها بطرق ملتوية وغير شرعية ساعدهم فى ذلك بالطبع بعض الموظفين المرتشين الزومبى الذين يسروا لهم عمل توصيلات المياه والكهرباء المخالفة ، لاعجب إذن فى كثرة مشاكل هذه المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية التى أنشأها شبكة من الزومبى مجتمعين.

وللأمانة هذا الأمر ليس مقصورا على بلدنا مصر بل إنه يحدث فى معظم البلاد النامية التى فى طور النهوض والتقدم لكن الزومبى يتخطفها من كل مكان.

واكتشفت أن عم فرج الذى يبدو عليه الطيبة والسذاجة وربما الورع ليس إلا زومبى متسلق ومتخفى.

فى النهاية طلب منصور صاحب المقهى عمولة كبيرة لمساعدة عم فرج فى الحصول على قطعة الأرض وحمايته من المضايقات بل والتوسط له عند موظفين الحى ليتساهلوا معه فى شروط البناء وعدد الأدوار وخلافه.. وصدق المثل الشعبى القائل “ربنا بيحيل ابدان على ابدان” أو يسلط زومبى على زومبى.

نكمل فى يوم آخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى