أشهرها «بلاك ووتر وفاجنر وجى فور أس» هل تصبح شركات المرتزقة بديلا للجيوش النظامية؟!
كتب: عاطف عبد الغنى
هذه دراسة مهمة أنجزها الباحث مصطفى صلاح، وأصدرها مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) حول توجهات الإرهاب في العام الحالي 2022.
وأبرز ما ورد فى هذه الدراسة الجزء المتعلق، بالتحول فى استيراتيجيات التنظيمات الإرهابية، وتنامى دور شركات الأمن الخاصة (على النمط الذى برزت فيه فى بعض دول الغرب، والشرق وعرفناه فى العراق مع شركة بلاك ووتر الأمريكية، أو فى ليبيا مع شركة فاجنر السوفيتية) واعتماد بعض الدول على هذه الشركات للحرب خارج حدودها بديلا لجيوشها النظامية للحفاظ على هذه الجيوش وتقليل كلفة الحرب، والهروب من المسئولية القانونية الدولية).
يقول الباحث فى هذا الجزء من الدراسة إن ثمة تحول في استراتيجية التنظيمات الإرهابية العالمية من التركيز على الهدف البعيد إلى التركيز على الهدف القريب، وهذا التحول سيفرز مجموعة من التحديات أمام عمل الجيوش والقوات المسلحة النظامية ضمن استراتيجيتها لمواجهة هذه التهديدات.
طالع المزيد:
ويزداد في هذا الإطار، الحديث عن دور شركات الأمن الخاصة في مواجهة التنظيمات الإرهابية وتصاعد دورها؛ حيث أصبح هناك اتجاه من جانب مجموعات محلية إلى فك الارتباط مع التنظيمات الأم في ظل تصاعد ظاهرة الانشقاقات والتخوين والصراع بين الأصول والفروع ثم نزع الشرعية مثل هيئة تحرير الشام التي انفصلت عن القاعدة وارتكزت على الطابع المحلي.
زيادة الطلب عليها
الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة كفاعل حاضرًا وبقوة في التأثير على مشهد العلاقات الدولية بعد أن لجأت الدول إليها بهدف التوفير في ميزانياتها وتخفيف الأعباء المادية والبشرية أو فيما يتعلق بالقيام بعمليات عسكرية بصورة سرية في ظل الضعف الهيكلي للجيوش والأجهزة الأمنية المحلية خاصة وأن هذه الشركات تقدم خدماتها بطريقة احترافية، بالإضافة إلى ذلك ضعف التكلفة السياسية للاستعانة بهذه الشركات.
وقد تزايد الطلب على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة منذ نهاية الحرب الباردة، فتحولت في الوقت الحاضر إلى صناعة كبرى تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات، وهو ما أدى إلى تطور الموقف الدولي منها تطورًا ملحوظا تجسد في السعي تجاه تحويلها إلى كيانات قانونية، أو تطوير الأطر القانونية التي تنظم عملها، وكذلك قبول مشاركتها في عمليات حفظ السلام الدولي في مناطق الصراعات.
أشهرها
وقد جاءت هذه التطورات بعد انتشار عدد كبير من الشركات الأمنية والعسكرية العمالقة التي تتخذ العديد من الدول في القارات الخمس مراكز لنشاطها العملي، ولعل أشهرها بلاك ووتر الأميركية، والبريطانية G4S التي تنشط في 125 دولة، والسويسرية Securitas التي تمارس نشاطها في 45 دولة، والشركة الفرنسية Scopex التي تمارس عملها في عدد كبير من أقاليم أفريقيا وآسيا بالتنسيق مع هذه الدول، يضاف إلى ذلك، شركات مثل، هاليبورتن الأميركية، واسكارد جيرمان الألمانية، وديفيون انترناشيونال الأميركية الجنوبية (بيرو)، وإكزكيتيف آوتكم الجنوب أفريقية، وساندالين إنترناشيونال وآيجيس دفانس البريطانيتان.
بلاك ووتر الأمريكية
جى فور أس البريطانية
وهناك أيضًا عدة شركات عربية صغيرة مثل فالكون وكير سرفيس وكوماندوز في مصر، وسكيورتي في لبنان، وإن كانت هذه الشركات لا ترقى إلى مصاف الشركات الأمنية والعسكرية الكبرى الأخرى في
العالم من حيث حجمها ومهماتها وأدوارها على السواء.
خصخصة الأمن
وامتدادًا لذلك، ظهرت فكرة خصخصة الأمن وأصبحت هناك شركات عسكرية وأمنية خاصة مدرجة في قائمة أسواق الأسهم والسندات، وتحقق أرباحًا لمستثمريها نتيجة تراجع قدرات الجيوش النظامية في مواجهة التهديدات غير التقليدية من جانب الجماعات الإرهابية؛ حيث ظهرت هذه الفكرة نتيجة التطورات التي تشهدها الظاهرة الإرهابية من توسع وانتشار، وهو ما أفرز مجموعة من التحديات التي تواجهها الدول بعد تراجعها في القيام بوظائفها السيادية التي من المفترض أن تمارسها بنفسها.
على سبيل المثال فإن الاعتماد على هذه الشركات سيؤدي إلى تراجع قدرات الدولة على القيام بوظائفها الأمنية وبالتالي ضعف قطاعات الأمن في هذه الدول، بالإضافة إلى أن الشركات العسكرية والأمنية عملت على استقطاب الأفراد الذين يخدمون في القوات المسلحة الوطنية.
ومن ثم، ستواجه هذه الدول إشكالية كبيرة تتعلق بحرمانها من الكوادر العسكرية الوطنية التي تتميز بالكفاءة.
من جانب آخر، وعلى عكس الفرضية السابقة الخاصة بتصاعد دور شركات الأمن الخاصة فإن هناك اتجاه آخر يتمثل في استثمار الدول في قواتها العسكرية والأمنية النظامية من خلال التوسع في الاعتماد عليها في ظل التحوالت الكبيرة الناتجة عن تراجع استراتيجيات الدول الكبرى في مواجهة التنظيمات الإرهابية وعدم قدرتها على تحقيق نجاحات ميدانية.
التحول في استراتيجيات الدول
شهدت استراتيجيات الدول تجاه مكافحة الإرهاب تغيرات كبيرة بالتزامن مع حالة السيولة التي تشهدها الظاهرة الإرهابية في خريطة انتشارها وعملياتها، وقد تمثلت أبرز هذه التحولات في
نمط مواجهة هذه التنظيمات التي تجسدت في التحول من المواجهة المباشرة إلى المواجهة غير
المباشرة ضمن إطار إدارة المشهد الجهادي.
على سبيل المثال اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية نحو إعادة تعريف استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب بسبب ارتفاع مخاطرها بالمقارنة مع عوائدها، ومن المتوقع أن تشهد الدول الأخرى نفس المقاربات لصالح تهديدات أخرى داخلية مع الاعتماد على الشركاء المحليين في محاربة التنظيمات المتطرفة والاتجاه نحو الانسحاب العسكري من الصراعات خارج الحدود وتوجيه الموارد نحو مواجهة الدول الأخرى التي تهدد مصالحهم.
توظيفها
كما امتد الأمر إلى اتجاه بعض الدول لتوظيف هذه الجماعات في تنفيذ أهدافها الداخلية والخارجية، وهو ما قد يمثل عامل محفز لهذه التنظيمات نحو توسيع قواعد انتشارها، بالإضافة إلى ذلك تتزايد احتمالية اتجاه الدول نحو التفاوض مع التنظيمات الإرهابية بعدما أصبحت هذه تزايد الطلب على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة منذ نهاية الحرب الباردة، فتحولت في الوقت الحاضر إلى صناعة كبرى تقدم
مجموعة متنوعة من الخدمات، وهو ما أدى إلى تطور الموقف الدولي منها تطورًا ملحوظا تجسد في السعي تجاه تحويلها إلى كيانات قانونية.
هذه السمة تعد مؤشرًا مهمًا ضمن استراتيجيات الدول في التعامل مع الجماعات الإرهابية كما حدث بين
الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، وفي سياق متصل أشار جوناثان بول أحد مستشاري
رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إلى أن “التاريخ يشير بأنه عادة لا يتم النجاح في
مواجهة الجماعات المتطرفة، وأنه في نهاية الأمر يتم الاتجاه نحو التفاوض معهم”.
أمثلة فى أفريقيا
ولعل هذا الأمر ظهر بصورة واضحة مع اتجاه المجلس العسكري المدني في مالي نحو تكليف المجلس
الأعلى الإسلامي للتفاوض مع عدد من الجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة مقاتلي نصرة الإسلام التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، بعدما انسحبت فرنسا من عملية برخان واتجاه مالي إلى مواجهة هذه التنظيمات بمفردها.
ويجب الإشارة هنا إلى أن التفاوض مع الجماعات الإرهابية قد يكون أحد استراتيجيات مكافحة الإرهاب باعتباره وسيلة لإدارة العنف وإضعافه وتفتيته، ومن ثم الوصول إلى تدهورها على المدى الطويل.
وبناء عليه، فإنه في كل الأحوال لابد أن يكون التفاوض سببًا في نهاية المجموعة الإرهابية أو على أقل تقدير تهميش هذه المجموعة وليس تمكينها، بحيث يكون هدف التفاوض لردع المجموعات الإرهابية وتفكيكها.
الحوار مع الجماعات
كما أن الحوار مع هذه الجماعات يمثل أهمية كبيرة في إطار الاستراتيجيات الاستخباراتية الهادفة إلى معرفة أهدافهم الحقيقية وتفكيك الارتباط بين الجماعات الإرهابية وأنصارهم.
في حين يثبت الواقع العملي غير ذلك، فهناك الكثير من الاتجاهات التي تعارض هذه الاستراتيجية في التعامل مع الجماعات الإرهابية استنادًا على مجموعة من المؤشرات من أهمها أن التفاوض يعطي الإرهابيين الحافز من أجل كسب مزيد من الجنود، بالإضافة إلى إمكانية قيام الحكومة بتقديم تنازالت للإرهابيين واعتقادهم بأنهم أصبحوا فاعلين مؤثرين في مجريات الأوضاع داخل هذه الدول، ومن ثم الاتجاه للضغط لكسب مزيد من التنازلات، كما أنه قد يعطي شرعية للإرهابيين وللعنف الذي يتم استخدامه من جانبهم.
وبعد استعراض التوجهات المختلفة حول التحول في استراتيجيات الدول في التعامل مع تنامي انتشار الجماعات الإرهابية ما بين مميزات وعيوب هذه الآليات، فمن المتوقع أن يتزايد انخراط الدول في التفاوض مع الجماعات المتطرفة في ظل انسحاب الدول الكبرى عسكريًا من مناطق انتشار وتمركز هذه التنظيمات ومواجهة الدول انتشار الجماعات المتطرفة بمفردها وهو ما سوف يفرض عليها في ظل ضعف إمكانياتها إلى اللجوء للتفاوض معهم.