رشا ضاحى تكتب: رحلة مع أسماء الله الحسنى.. (39) البارئ المصور
في رحلتنا المتواصلة مع أسماء الله الحسنى نتحدث اليوم عن اسمين من أسماء الجلال لله جل وعلا وهما اسمي البارئ المصور
وقد ورد هذان الاسمان في قوله سبحانه وتعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسماءُ الحُسنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ (الحشر: 24)
كما ورد اسم البارئ بصيغة المضاف إليه كما في قوله عز وجل: ﴿وَإِذ قالَ موسى لِقَومِهِ يا قَومِ إِنَّكُم ظَلَمتُم أَنفُسَكُم بِاتِّخاذِكُمُ العِجلَ فَتوبوا إِلى بارِئِكُم فَاقتُلوا أَنفُسَكُم ذلِكُم خَيرٌ لَكُم عِندَ بارِئِكُم فَتابَ عَلَيكُم إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ (البقرة: 54)
وورد اسم المصور بصيغة الفعل عدة مرات كما في قوله جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذي يُصَوِّرُكُم فِي الأَرحامِ كَيفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ (آل عمران: 6)
ومعنى البارئ هو الذي أوجد الخلق بقدرته.
قال الزجاج: يقال برأ الله الخلق: إذا فطرهم وخلقهم وأوجدهم فكل مبروء مخلوق.
وقال الشوكاني: البارئ أي الخالق، وقيل: أي المبدع، المحدث الشيء على غير نظير.
أما المصوّر فهو الذي أعطى كل مخلوق صورته الخاصة ، الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة التي يتعارفون بها قال تعالى: ﴿ وصوركم فأحسن صوركم ﴾ (غافر64)
قال ابن كثير: الخلق هو التقدير، والبُرء هو التنفيذ وإبراز ما قدّره وقرّره إلى الوجود، أما المصوّر فهو الذي يُنفّذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.
والفرق بين الأسماء الثلاثة (الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) فى الآتى:
الْخَالِقُ هو الذي أوجد الأشياء من العدم
الْبَارِئُ هو الذي هيأ كل مخلوق لما خلق له
الْمُصَوِّرُ هو الذي يركب كل مخلوق في أي صورة شاء
وقال ابن القيم البارئ والمصوّر تفصيل لمعنى اسم الخالق.
والخالق والبارئ والمصور أسماء تُعرّف العبدَ على خالقه ومُوجِده ومصوّرِه، فالإنسان مخلوق، والمخلوق لا بدّ له من خالق، فبعدما كان العبد عَدَمًا أوجده الله سبحانه وصَوّره وخَلَقَه في أحسن تقويم، مما يوجب على العبد شكر خالقه والثناء عليه، وتوحيده والإخلاص له، وتعظيمه وتمجيده.
فالله تعالى لم يخلقنا عبثًا بلا قصد ولا حكمة، بل خلقنا لعبادته وتوحيده وإقامة شرعه،
قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ (المؤمنون: 115)
فالغاية من خلق الخلق هي عبادة الله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ (الذاريات: 56-57).
ومن آثار هذين الاسمين الجليلين أن لا يسخر الإنسان من خلق الله عز وجل فالله هو الخالِق البارئُ المصوِّر؛ فليس لصاحب الشكل الدَّميم ذنبٌ فيُعيَّر ويُلام، وليس لصاحب الشكل الجميل فضلٌ أو يدٌ فيُشكَر ويُزَان.
قال رجلٌ لحكيم: “يا قبيحَ الوجه! فقال: ما كان خَلْقُ وجهي إليَّ فأُحسنه”؛ فذمُّ الإنسانِ لخلقتِه هو ذمٌّ لخالقه، فمَن ذمَّ صنعةً، فقد ذمَّ صانعَها، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ خَلْق الله عزَّ وجلَّ حسن)
وكان عيسى عليه السلام يقول: لا تنظروا إلى عيوبِ الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبِكم كالعبيد، إن الرَّجل يبصر القَذاةَ ( أي الشوائب ) في عين أخيه، ولا يبصر الجِذع في عينَيه، وإنما الناس رجلان معافًى ومبتلًى؛ فاحمدوا الله على العافية، وارحموا المبتلى.
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه