د.إسلام جمال الدين يكتب: مـؤشر «تأثير أحمر الشفاه» ودلالته في الأزمات الاقتصادية

في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا، تُعاني اقتصاديات دول العالم المختلفة حاليًا من الآثار الاقتصادية لهذه الحرب، لذلك ليس عجبًا أن نجد تأثير أحمر الشفاه ظاهرًا على السطح؛ فالجميع يشعر بالقلق والخوف بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع والخدمات خاصةً في ظل ارتفاع أسعار النفط وكسره حاجز 140 دولار لأول مرة منذ عام 2008 بسبب الأزمة المالية العالمية وقتها.

وعندما نفكر في الأزمة الروسية الأوكرانية، ونرى ماذا فعلت العمليات العسكرية في أوكرانيا فنتخيل بيوتًا تم قصفها وأخرى تهدمت، كما نرى طائرات ودبابات وزيًا عسكريًا وما إلى غيره من أجواء الحرب، لكن لم يخطر على بال أحد منا ما هو تأثير أحمر الشفاه أو أدوات المكياج ؟ يبدو الكلام غريبًا للوهلة الأولى، فما علاقة هذا بذاك؟

وتكمن الإجابة عن هذا السؤال في تتبع سلوك المستهلكين، حيث في أوقات الأزمات يلجأ المستهلكين إلى التسوق ولكنهم في هذه الحالة يعزفون عن شراء السلع مرتفعة الثمن ويقومون باستبدالها ببعض سلع الرفاهية الصغيرة من أجل إسعاد أنفسهم، أو بمعنى أدق فإن «أثر أحمر الشفاه» يمكن توضيحه من خلال إنفاق الأفراد أو المستهلكين الأموال على منتجات بسيطة وصغيرة في فترات الركود الاقتصادي والأزمات الاقتصادية أو الحالة التي ينفق فيها الأفراد مبالغ قليلة لا تمكنهم من شراء المنتجات والسلع غالية الثمن، ولكن عوضًا عن ذلك يتم إنفاق الأموال في شراء منتجات صغيرة وفخمة كقلم أحمر الشفاه بالرغم من ارتفاع ثمنه.

ومن هذا المنطلق فإن الشركات الكبيرة والتي تعي جيدًا مؤشرات الأسواق تستخدم هذا المؤشر وتستفيد من تأثير أحمر الشفاه في فترات الأزمات بحيث تكون مرنة في ظل الأجواء الضبابية وأن تتأقلم سريعًا مع تقلبات وظروف السوق، كما يجب علينا عدم الخلط بين مصطلح «أثر أحمر الشفاه»، ومصطلح مستثمري «أحمر الشفاه» والذي يعبر عن سيدات الأعمال اللاتي يقمن ببيع مستحضرات التجميل أو المنتجات النسائية.

يُعد مصطلح أثر أحمر الشفاه من المؤشرات الاقتصادية الهامة لأنه من مظاهر «أثر الدخل»، إذ يحلل الاقتصاديين الطلب الاستهلاكي لمنتج ما بناءً على مزيج من التأثيرات، من ضمنها سعر سلعة ما مقارنةً بالسلع الأخرى، ما يُعرف بمصطلح «أثر البديل»، ودخل المستهلك الذي يُطلق عليه «أثر الدخل»، ففي حالة ارتفاع الدخل يرتفع الطلب على السلع التقليدية بينما في حالة السلع الرديئة ينخفض الطلب عليها بالرغم من ارتفاع الدخل، هذا ما يحدث في حالة أثر قلم أحمر الشفاه، فعند انخفاض دخل الفرد يتخلى تلقائيًا ويعزف عن شراء السلع مرتفعة الثمن التي لا يمكنه شراؤها، وبدلًا من ذلك ينفق من أمواله المتوفرة على شراء سلع ومنتجات تكون صغيرة الحجم وفخمة وأقل قيمة كقلم أحمر الشفاه على سبيل المثال.

تم إطلاق مصطلح «تأثير أحمر الشفاه» لأول مرة في عام 2001 من قبل ليونارد لودر رئيس مجلس إدارة شركة إستي لودر وهي شركة أمريكية كبيرة متخصصة في مستحضرات التجميل، والذي بدوره لاحظ نمطًا ثابتًا من ارتفاع مبيعات التجميل خلال فترات الانكماش الاقتصادي، وتوصل إلى أنه وجد بالتحديد أن مبيعات أحمر الشفاه كانت مرتفعة بحوالي 11%، كما لاحظ لودر أيضًا وجود علاقة تناسب عكسية بين أحمر الشفاه والوضع الاقتصادي، فكانت مبيعات أحمر الشفاه متردّية عندما كان حجم الاقتصاد قويًا، ولم يقتصر الأمر فقط على أحمر الشفاه بل امتد ليشمل طلاء الأظافر الذي حقق أكبر مبيعات في عالم التجميل بين عامي (2008-2009) خلال فترة الأزمة المالية العالمية، وهكذا نجد أن الأثر يمتد ليشمل كافة مستحضرات التجميل.

إن تأثير قلم أحمر الشفاه ما هو إلا استجابة طبيعية وتلقائية لندرة الموارد، ففي فترات الأزمات الاقتصادية  يكون هناك دوافع تنافسية لدى الأفراد خاصةً في مجال البحث عن العمل حيث سيضطر الباحثين عن العمل إلى إنفاق المزيد من الأموال من أجل الظهور بالمظهر اللائق من أجل الالتحاق بعمل في أحد الأماكن أو آخر بما يتفق مع الصورة التي من المفروض أن يظهر بها كموظف مستقبلي، وهناك دافع آخر من الدوافع الهامة وهو الدوافع السيكولوجية خاصةً لدى المرأة حيث تهتم دائمًا بالظهور بإطلالة جميلة علاوةً على أن تكون بتكاليف بسيطة وليست باهظة الثمن.

وعندما حدثت جائحة كورونا وأثرت على الاقتصاد العالمي مما أدى إلى تغييرات جذرية في الأنشطة الاقتصادية، وأدى إلى تغيرات كبيرة في سلوك الأفراد سواء احترازية من خلال ارتداء الكمامات أو أقنعة الوجه أو السلوك الشراءي أو التسوقي للأفراد حيث ألهم ارتداء الكمامة السيدات وفي ظل الركود الاقتصادي ببدائل جديدة لأحمر الشفاه مثل كريم الأساس أو الماسكارا أو زيادة مساحة مكياج العيون، وفي فترة حظر التجوال ارتفعت مبيعات البقالة بشكل كبير وكذلك منتجات النظافة والعناية الشخصية وكذلك ألعاب الطاولة والملابس الرياضية وزادت مبيعات الكتب وسماعات الرأس وكذلك أدوات المطبخ وكل الوسائل التي تساعد وتقلل من الشعور بالملل نتيجة الجلوس بالمنزل فترات طويلة أثناء حظر التجوال عندما كان مفروضًا في بداية الجائحة.

يعتبر أثر أحمر الشفاه من المؤشرات الاقتصادية الهامة والمنطقية نظرًا لاعتماده الأساسي على النظرية الاقتصادية على العكس من مؤشر «سوبر بول»، والذي عُرف في السبعينات من قبل الكاتب الرياضي ليونارد كوبيت حيث لاحظ كلما فاز فريق من الإتحاد الآسيوي لكرة القدم في فعاليات Super Bowl السوبر بول فإن سوق الأسهم سوف تهبط في هذا العام على العكس من ذلك كلما فاز فريق NFC تتجه سوق الأسهم إلى الصعود في هذا العام ولم يكن ليونارد كوبيت مخطأ في تنبؤه حين لاحظ ذلك، ولكن مع مرور الوقت وفي ظل توافر البيانات والمعلومات أصبح هذا المؤشر غير موثوق به ولا يعتمد عليه الأفراد ولايأخذوه على محمل الجد، نتيجة عدم تحقيق النتائج المرجوة منه.

أما فيما يخص سلبيات مؤشر أحمر الشفاه تتمثل في صعوبة حصول الأفراد على بيانات مبيعات أقلام أحمر الشفاه ومنتجات التجميل وكذلك أيضًا السلع الشبيهة الأخرى لفترات منتظمة كالشهرية والربع سنوية والنصف سنوية.

وللتغلب على مشكلة عدم توفر بيانات أحمر الشفاه، يقوم مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي بنشر معلومات عن الاستهلاك الشخصي من المشتريات الخاصة بمستحضرات التجميل والعناية بالجسم كل ثلاثة شهور بمعنى أنها نشرة ربع سنوية، وكذلك ينشر أيضًا مركز الإحصاء الأمريكي بيانات شهرية عن مبيعات التجزئة الخاصة بمتاجر العناية الشخصية، بحيث يتم الاستفادة من تلك المعلومات في التعرف والاستفادة من أثر أحمر الشفاه في حالة الكساد والأزمات الاقتصادية.

   د / إســلام جــمال الـدين شــوقي           

           خــبير اقـتصــــادي

عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

 

زر الذهاب إلى الأعلى