طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (23): زومبى نحس
كنت أجلس فى المكتب مع زميلى جلال، كان يشكو لى من الظروف المعيشية وعدم كفاية المرتب، جلال عنده ثلاثة أطفال صغار فى مراحل التعليم المختلفة وزوجته مدرسة فى إحدى المدارس وعلى الرغم من هدوء أعصابه وعدم اكتراثه لشىء إلا أنه كان يغلى من الداخل ويفكر دائما فى عمل شىء آخر يزيد به دخله ولكنه دائما يحظى بالفشل ،ممكن بسبب إختياراته وعدم درايته وعلمه.
جلال حاصل على دبلوم تجارة فقط وعمل بالشركة بواساطة والده الذى كان يعمل موظفا بسيطا لدى صاحب الشركة ،مرة وجدته يفتح معرض للسيارات بدون سيارات استأجر محل وحوله إلى مكتب بأثاث فاخر كان يجلس فيه بعد إنتهاء العمل بالشركة
ينتظر الزبائن الراغبين فى بيع، أو شراء، سيارات ليقوم بدور الوسيط فيها مقابل عمولة، وهذا طبعا لا يحدث إلا نادرا فأغلق المكتب بعد عدة شهور وخسر مبلغ لا بأس به جراء تأثيث المكتب ودفع الإيجار .
مرة أخرى استأجر محل لبيع الأدوات الكهربائية المستعملة ولقى نفس المصير ،ذات يوم فاجأنى بأنه سوف يترشح لعضوية مجلس الشعب وعلل ذلك بأنه معروف بين أهل الحى الذى يسكن فيه ومحبوب من الناس جميعا.
وبالفعل صنع بعض اللافتات وعلقها فى الحى يهنىء فيها أهالى الحى وصرف بعض الأموال لعمل اللافتات ومجاملة أهل الحى، وأنا وجميع الزملاء واهل الحى والناس جميعا فى شدة الإستغراب من تفكيره فى هذا الأمر الذى لا يعرف عنه شيئا سوى أنه يسمع ربما عن المزايا والأموال التى يحصل عليها أعضاء مجلس الشعب وأنه فى بعض الأحيان يدفع المرشحين المنافسين أموال لكل مرشح لكى ينسحب من الترشيح والمنافسة.
بالطبع خسر كل نقوده ولم بعيره أحد أى إهتمام ولم تنطبق عليه شروط الترشح وحررت له مخالفة وغرامة جراء تعليق لافتات .
شخصية غريبة جدا كأنه لا يعرف ولا يحسب أى من تصرفاته، لا يعرف بالضبط ما يريد، ولا ما يملك من مؤهلات، فهو يعتقد أنه صالح لكل الأعمال ولديه شعور عالى جدا بالأنا لا يتناسب مع مؤهلاته وحجمه وقدراته.
اشتهر فى هذه الفترة فى المكتب بلقب سيادة النائب على سبيل السخرية من بعض الزملاء فكان زميلنا سالم على سبيل المزاح يقدم له ورقة بيضاء خالية ويقول له لو سمحت سيادة النائب عايز شقة فيلقيها جلال فى وجهه ويطلب منه عدم المزاح فى هذا الأمر ويضحك الجميع ويرمقنا هو بنظرة إحتقار وينعتنا بالتخلف.
مشكلة هذا النوع من الزومبى أنه ليس لديه أى خطة، أو دراسة للواقع والتقدير المناسب للنتائج فهو يعمل عشوائى ويعتقد أنه لابد أن تغمز السنارة فى لحظة ما ومكان ما، فيتخبط هنا وهناك والحقيقة أن السنارة لا تغمز إلا إذا كان الصياد ماهرا فى عمله ويعرف بالضبط أين يلقى السنارة ومتى، وقوتها وإمكانياتها بل يعرف بنسبة كبيرة ماذا سيصيد وماذا سيفعل بصيده .
المهم حاولت أن أواسيه وانصحه بعدم الخوض فى أمور لا يعرفها، والاجتهاد فى عمله وتطوير نفسه علميا وعمليا، وكأنه لم يكن يسمعنى فقال لى : ما رأيك لو أحضرت كل يوم كمية من الفطائر والكرواسون لوليد عامل البوفية
ليبيعها للموظفين مقابل نسبة اعطيها له من المكسب، فنهضت من مكانى وتركته فى عالمه عالم الزومبى.
ونكمل فى يوم آخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.