مغامرة: «بيان» تخترق مجتمع صبيان المخدرات.. حكايات الكيف والموت
كتب: إسلام فليفل
بكل الحسابات كانت مغامرة محفوفة بالخطر، اخترق فيها محرر “بيان” مجتمع أطفال أو قل صبيان (بحكم السن) المخدرات.. وشاهد وسمع فيه حكايات الكيف والموت.. حكايات أطفال صاروا أداة لصناعة المخدرات مثل الفودو والاستروكس، فى ورش سرية على طريقة فيلم “الكيف”.
اقرأ أيضا.. اختار الجار قبل الدار.. حكايات أشخاص فقدوا حياتهم على أيدى جيرانهم
أول الخيط تاجر مخدرات معروف، سعى محرر “بيان” إلى التواصل معه مدعيًا أنه مخرج مسرحى، بصدد عمل مسرحية بطلها طفل محترف في صناعة خلطات الفودو والاستروكس، فضلًا عن إدامنه لهما، وبالتالى يحتاج إلى طفل من نفس نوعية بطل المسرحية للتعرف منه على جوانب الشخصية وتجسيدها، إلى أخره.
ومن خلال هذا الادعاء توصلنا إلى الأطفال مدمنى ومصنعى هذه الخلطات، لنكشف من خلالهم كيف أصبحوا ضحايا لتجار المخدرات.
طفل فى الإعدادى
البداية كانت في شارع الإمام الغزالى بإمبابة، حيث تقابلنا مع “كامل.خ”، البالغ من العمر 15عامًا وهو طالب في الصف الثالث الإعدادى، وعند التحدث معه تشعر أنه تاجر مخدرات من طراز فريد وليس مجرد طفل عادى، سألناه في البداية عن أسباب إدمانه مخدر الفودو، فقال: إنه يتعاطى الحشيش منذ أن كان عمره 10سنوات.
وواصل كامل الحديث فقال إنه في إحدى المرات كان يدخن سيجارة حشيش برفقة صديق له وبعد الانتهاء منها أشعل صديقه سيجارة أخرى وصفها بأن مذاقها كان ممتعًا وتأثيرها أقوى، وبعد تدخينها سأل عن مكونات هذه السيجارة فجاوبه صديقه وقال: “دى سيجارة حشيش مخلوط بالفودو”.
وتابع: من هنا بدأت رحلة إدمانى للفودو وصديقى أوصلنى لتجار المخدرات الذين يبيعونه في منطقتين “إمبابة” و “النزهة الجديدة”.
كما أكد أن “صديقه كان يتعمد استدراجه لإدمان الفودو مثله كى يشترونه معًا.
الأموال من أين؟!
وبسؤاله عن كيفية جلب الأموال لشراء الفودو، أكد أن والدته شيخة تعمل في فك السحر وطرد الجن، أما شقيقه الأكبر “تاجر حشيش” فضلًا عن أنهما لا يبخلان عليه بالأموال بالإضافة إلى أنه يلعب لعبة “الكونكر” للحصول منها على أموال أكثر لسد تكاليف شراء الفودو.
ولفت إلى أنه في حالة عدم امتلاكه أموالًا كافية لشراء الفودو، يشترك مع أصدقائه المدمنين ويجمعون الأموال فيما بينهم ويشترون كيس لا يتعدى 10جرامات بـ600جنيه، موضحًا أن سيجارة الفودو ينتهى تأثيرها بعد ربع ساعة فقط من تدخينها لذلك يدخن مع أصدقائه 6 سجائر على مدار اليوم.
أكد كامل أنه بعد اكتشاف أهله إدمانه للفودو عاقبوه بشدة حتى هرب من المنزل لمدة شهر وعاد مرة أخرى لكنهم منعوا عنه المصروف اليومى، لذلك اتجه إلى تعلم طريقة عمل خلطات الفودو وبيعها للحصول على الأموال.
السيجارة “الغبية”
وعن تعلمه خلطات الفودو قال إن علاقته توطدت للغاية بأحد تجار المخدرات بسبب شرائه لـ “الفودو” منه بكميات كبيرة يوميًا ومع الوقت تعلم منه طريقة عمل خلطة الفودو منذ عام، والمكونة من عشبة تشبه الفودو الأصلى ويضاف إليها بعض المواد المخدرة، موضحًا أن المدمنين يعتقدون أن هذه الخلطة “فودو أصلى” ويطلقون عليها السيجارة “الغبية” بسبب تأثيرها القوى.
وتابع: “بعد الانتهاء من عمل الخلطة أجرب منها سيجارة ولو كان تأثيرها جيدًا أستقر على مكوناتها بلا إضافات أخرى، بعدها أبيع جزءًا من الخلطة للحصول على أموال لشراء مكوناتها مرة أخرى والجزء المتبقى يكون نصيبى أنا وزملائى”، مختتمًا حديثه بأنه يتمنى أن يمتلك “كافيه” لأنه يكره المدرسة.
حكاية “صامولة و شلش”
أما “سمير . م” وشهرته “صامولة” البالغ من العمر 17 عامًا من منطقة ميت نما بالقليوبية، ويعمل في ورشة ميكانيكا لإصلاح التكاتك.
وروى لنا “صامولة” حكايته مع إدمان خلطات الاستروكس، فقال إنه أدمن مخدر الحشيش، وكان يتاجر فيه مع ديلر يدعى “شلش” من شبرا الخيمة إذ يوزع له الحشيش على الزبائن.
وأضاف أن الديلر اقترح عليه التجارة في الاستروكس عن طريق عمل خلطات ببعض المواد المخدرة وبيعها للمدمنين على أنها استروكس وظل يغريه بالمكاسب المادية الطائلة حتى وافقه.
ولفت إلى أن الديلر كان يكلفه بشراء الفودو الخام لزوم الخلطة – من منطقةالشرابية – وهذه الخلطة مكونة من تبغ سجائر يسمى “جولدن فيرجينيا” يضاف إليه نسبة ضئيلة من مخدر الفودو الخام ويطحن عليهما برشام الابتريل وبرشام الصراصير بنسب معينة ثم يغمر الخلطة بالمياه ويتركها تحت الشمس حتى تجف.
وتابع قوله: الديلر كان يلف لى سيجارة من الخلطة ويغوينى لتجربتها فحينما أفقد الوعى يتم الاستقرار على مكونات الخلطة والبيع منها على أنها استروكس حتى أصبحت مدمنًا على هذه الخلطة منذ عامين “ومفيش حاجة بتعمل لى دماغ غيرها”.
وأضاف أنه تعلم صناعة الخلطة من الديلر فمنذ القبض عليه وهو يقوم بصناعة الخلطة بنفسه داخل منزله بمساعدة صديق له يدعى مروان 20 عامًا مدمن استروكس ويكون دوره هو الأخر مقتصرا على تجربة الخلطة.
وأكد “صامولة” أنه لا يتعاطى من الخلطة أثناء إعدادها للحفاظ على تركيزه.
برشام صراصير
وأثناء تجاذب أطراف الحديث معه استخرج صامولة من بين طيات ملابسه عدة شرائط برشام وقال إنه برشام صراصير ثم تناول قرصا منه واستكمل حديثه في حزن فقال: إن والده كان يجبره على العمل في ورشة ميكانيكى منذ أن كان عمره 7 سنوات وكان يتعرض للعنف الجسدى من جانب والده وصاحب الورشة الذى كان يعمل لديه مما اضطره للهروب من المنزل لعدة أيام قضاها فى الشوارع مصاحبًا المدمنين وعند عودته للمنزل يعاقبه والده ويقوم بربطه بالجنازير.
وأوضح أنه كان يعمل في ورش الميكانيكا فقط للحصول على الأموال لشراء البرشام ومكونات خلطة الاستروكس.
الحكاية الثالثة مع عوكل
وضمن من قابلناهم، عوكل الصبى صاحب الـ16 عامًا بمنطقة “المرج الجديدة” والذى كشف لنا طريقته في الحصول على الأموال لشراء الاستروكس.
أكد عوكل أنه مدمن للمخدرات، قائلًا، إنه مدمن استروكس منذ 3سنوات ويتعاطى منه في اليوم الواحد نصف كيس، وبغض النظر عن حالته المادية الضعيفه إلا أنه مستعد لفعل أى شئ للحصول على الأموال لشراء الاستروكس كأن يصعد إلى أسطح المنازل خلسة ويسرق أى شئ يصلح للبيع وجلب الأموال.
وتابع: أسرق من الأطفال الصغار بطاقات التموين عند أفران الخبز، وأبيعها إلى بعض أصحاب المخابز الذين يعرفون جيدًا أنها مسروقة ومتوسط أسعار البطاقة الواحدة من 80:150 جنيه، لافتًا إلى أنه يصنع بنفسه خلطة الاستروكس.
ضحايا للمجتمع
عرضنا الملف بما يحمل من اعترافات على الدكتور عبد الرحمن حماد، المدير السابق لوحدة الإدمان بمستشفى العباسية، وطلبنا تعقيبه فقال إن الأطفال مدمنى المخدرات، ضحايا للمجتمع والأسرة فالذين تعرضوا للعنف الجسدى أو الاعتداء الجنسى، أو تم استغلالهم فى العمالة منذ الصغر يكوونوا أكثر عرضة لإدمان المخدرات.
وأشار إلى أن الطفل دائمًا ما يطاوع أصدقاءه في تعاطى المخدرات لتجنب استهزائهم به،، بالإضافة إلى كثرة الأفلام والمسلسلات التى تروج للمخدرات ورغبة الطفل في تقليد أبطال هذه الأفلام، موضحًا أن مدمن الفودو دائمًا ما يحتاج إلى تعاطيه باستمرار لأن مفعول السيجارة ينتهى بعد 15 دقيقة فقط مما يتسبب في حالات تسمم للمدمن، مشددًا على ضرورة خلق لغة حوار ما بين الأسرة وأبنائهم وتوعيتهم بخطورة المخدرات وحثهم على ممارسة الرياضة.
وفي نهاية حديثه طالب بضرورة تفعيل دور الأخصائى النفسى والاجتماعى بالمدارس للحد من الظاهرة.
غياب القدوة
كما أكدت الدكتورة ريهام محمود، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية، أن غياب القدوة الحسنة والطموح لدى الأطفال أدى إلى إدمانهم للمخدرات، مشدده على أن التربية والتعليم يعتبران من أولويات قضايا الأمن القومى ولا يقلان أهمية عن مواجهة الإرهاب لأن بناء المجتمع الجيد يبدأ من الطفل.