الربيع الرحيمة إسماعيل يكتب: مراجعة رواية ظل الريح ـ مقبرة الكتب المنسية

الثلاثاء, 22 مارس, 2022 , 10:28 م

لو سُمح لي أن أقتبس من دانيال كلماته داخل الرواية و عن الرواية ذاتها حينما قال: “قرأت عدداً لا حصر له بعد تلك الليلة، و لا تزال رواية كاراكس الأخيرة هي المفضلة لدي، و من الصعب أن أغير رأيي الآن و قد ناهزت الثلاثين عاماً “.

بذاك التقييم ربما اختصر عليَ دانيال فيضاً من الكلمات في وصف تلك الرواية التي ما أن تفرغ من قرائتها حتى تخلق لديك حالة تأبين مؤقتة، إذ تتسرب إلينا حميمة الأماكن و الشخوص داخلها بأنس بهيج، و ما أن يأتي الوداع حتى تلوح تلك الحميمية لحنين قاسي.

هي ذاك النوع من الروايات التي سيزهد القارئ في إكمالها، إذ كنت أخفف من وتيرة القراءة لعلي أحظى أطول مدة ممكنة.

كيف استطاع الكاتب أن يوجدنا داخل الرواية بكل مراحل التحول في حياتنا كقراء و كهواة في الكتابة حتى لاحظت تشابهاً مع كاراكس في بؤسه و اخفاقه.

قد تبكي في مشهد ما، ثم تضحك في الآخر ، لكن تلك المشاهد لن تمضي أبداًُ كما رسمتها تخيلاً بل ستُفاجأ لاحقاً بمسارات جديدة ، أكثر تشويق و إثارةً.

و إن كنت من عشاق مدريد فيؤسفني أن أخبرك أنك على موعد مع حالة من التسامح و الحب لمدينة برشلونة، بل أن المستشار الثقافي “فيرمين دو سانتوس” سيأخذك في جولة حول أحياء المدينة مستشعراً أزقتها لتطوفها عبر الخيال وكأنك بينهم ، قال “دانيال” لـ “بيا تريز” حين لقاء :” سنلتقي عند المساء لأعرفك على بعض زوايا برشلونة ، و هكذا ستدركين أنك لن تسطيعي الذهاب إلى آل فيرول، أما إذا غادرتي، فإن ذكرى هذه المدينة سوف تلاحقك إلى الأبد” .

تندرج الرواية نحو الطرح المعاصر في إسقاط الكاتب لشخصيته داخل أبطال روايته، و يعتبر الطيب صالح وكارلوس زافون من عرّابي هذا الطرح الأدبي.

فخوليان كاراكس ودانيال ما هما إلا زافون نفسه، بينما بياتريز والفتاة الكفيفة ما هما الا بينيلوب نفسها و على ذات النهج يندرج مصطفى سعيد ومحيميد كطيفين من أطياف الطيب صالح.

أخيراً …و ربما لتداخل الشخصيات الكثيرة بالرواية قد يكون الأمر مشتتاً للقارئ أحياناً، و بعض الشخصيات و إن كانت شخصية عابرة فقط ستلوح في مشهد لاحق.

و هذا عتبي الوحيد على الرواية، لكنها مجملاً ستظل تجربة فريدة و مختلفة ستختبرها و لعلّ ارتباطها الوثيق بحياة الكتب والقُراء أضاف لها ذاك البعد الجمالي والحس الخاص لدى كل قارئ.