إسلام كمال يكتب: ما بعد الصدمة!

تساؤلات عديدة تراودنى في ظل الأجواء الصعبة، التى نقاسيها خلال الفترة الأخيرة على كل المستويات، في كل الملفات دفعة واحدة، وكأن النظام العالمى الجديد الذى يولد بعملية قيصرية في غاية التعقد، أبي أن يظهر للدنيا إلا على جثث البشرية، وبالذات سكان العالمين الثانى والثالث.

ظبطت نفسي، أحمل تساؤلاتى التى تنغصنى، للعديد ممن ألتقيهم في نطاق تحركات العملية والشخصية، والتى تنوعت فيها الأدمغة والمناصب والطبقات الإجتماعية، ولاحظت إن الإجابات الحاملة لأجواء الصدمة واللامبالاة والتحذلق والتقعر والتبحج أحيانا، تحاصرها عنوان كبير جدا، هو “خليها ماشية بالبركة”، ردا على العبارة الشهيرة “الدنيا على كف عفريت”!

وكأن الكل على اختلافاته توافق على فكرة “البركة” ردا على فكرة “الشعوذة”، خاصة لو كانت منتهى الشعوذة الاستراتيجية، لو صح التعبير!

معتاد إن الإنسان في حالة الهلع، يلجأ للتبرك والتشعوذ، لكن أن تتفق أدمغة مختلفة على ذلك، فهذا يعنى أن حالة الصدمة والهلع غير اعتيادية!

ألحظ أن الأغلبية تهلل للسعودية التى تحالفت مع الصين وترفض الانصياع للأوامر البترولية الأمريكية، وتتغنى بالامارات التى تتحالف مع الكل تعويضا عن الأمريكان، ويمدحون بوتين الذي يناكى واشنطن وكل الغرب وحده!

وتناسوا هؤلاء الواقفون في المنتصف، وكأنهم شبكة كرة طائرة يشاهدون صراعا محتدما، يحدد مصير أمم بدون تحريك أى ساكن، مترقبين فقط من يكون القائد في العالم الجديد ليصفقوا له، ويحتمل أكثر من ذلك!

وهذه النوعية كثيرة، وكنت أتمنى أن تعيد تكتل “عدم الانحياز”، أرحم مما هى فيه الآن، حيث لن تجد دورا ولا مساحة لها في العالم الجديد!

الشرق الأوسط يقاسي الأمرين في كل الصراعات القريبة والبعيدة، وها هو المعسكر الروسي يعتلى المشهد، وحلفاء أمريكا يترنحون من اختيار وجهتهم الجديدة، ينقسمون بين المواجهين والمترقبين والمناورين!

إيران اكتسبت روحا غير اعتيادية، وتجرأت على مهاجمة قواعد عسكرية إسرائيلية في إرابيل العراقية، وذراعها الحوثي استقوى أكثر وأكثر بمواصلة هجومه على السعودية، في وقت تستعد واشنطن لرفع الحرس الثورى من القائمة الإرهابية، وسط ترقب خليجى إسرائيلي، والموقف الإيرانى يعزز في المفاوضات النووية بدعم روسي!

ولا يمكن أن ننسي أن بشار الأسد، الذي لم يخرج من سوريا منذ حوالى عشرة سنوات، إلا تحت طائلة الحرب الروسية الأوكرانية، للإمارات من السموات السعودية وتحت العيون الإسرائيلية، وبمباركة روسية صينية، وخيبة أمريكية، وتقول أغلب وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، إن هذه الزيارة كانت العنوان الأبرز في القمة المصرية الإماراتية الإسرائيلية بشرم الشيخ مؤخرا!

وإسرائيل مستمرة في غاراتها على سوريا، رغم مناورتها السياسية بين موسكو وواشنطن، وكأنها بهلوان يسير على الحبل بمنتهى المهارة حتى الآن، تقدم نفسها في دور الچوكر، الذي ترحب به كل المعسكرات تقريبا، وتتربح من وراء ذلك هى الأخرى، سياسيا وصهيونيا وعسكريا وحتى تكنولوجيا، وأصبحت بحق الملجأ اليهودى لكل يهود العالم، لكنها تتجادل حول إن كان مفيدا لها أم مضرا، ويظهر ذلك في رفض عدد من اللاجئين الأوكرانيين، التى استوعبت منهم حوالى ٣٠ ألفا حتى الآن.

المشهد ياسادة، في غاية التعقد، والقصة ليست فقط في عملات تنهار، واقتصاديات تترنح، ومجاعات تقترب، لكنها في وضعيات تتغير بشكل تام في كل المعسكرات، فحتى الدول الاسكندنافية، التى كانت مثالا للحياد، تحولت عن طبيعتها التاريخية لدول متورطة في الصراع، وتخصص نسب كبيرة من ميزانياتها للصفقات العسكرية، وتنال منها المصانع العسكرية الإسرائيلية نصيبا غير قليل بالمرة.

إننا أمام عالم على كف عفريت بالفعل، بل بالأحرى “على كف بوتين” .. فسيد الموقف فيه سيكون الروبل واليوان، في وقت يصارع فيه الجنيه أمام الدولار!

والمفارقة أن ناسا أعلنت الآن فقط عن إنها اكتشفت ٥ ألاف عالم خارج المجموعة الشمسية، فهل يضيق علينا عالمنا، ونقرر الهجرة لعالم من هذه العوالم الجديدة؟!

لا أعرف هل وصلنا لمرحلة الهذيان من هول الصدمة؟!!

ليكن!

اقرأ ايضا للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى