طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى» (24): «إيه الناس دى؟!»
اليوم كان موعد مباراة هامة لمنتخب مصر لكرة القدم فى تصفيات كأس العالم، تم رص الكراسى أمام الشاشة الكبيرة في المقهى، كان يجلس فى المقدمة الحاج محمد وأصدقائه فى الصف الأول الذى يستأثر به دائما بحكم أقدميته فى المقهى، وكنت اجلس بعيدا أراقب توافد مجانين الكرة يأتون فى لهفة عجيبة ويتسابقون للحصول على مقعد قريب لمشاهدة المباراة.
يحدث هذا على الرغم من أن المباراة مذاعة على القنوات المفتوحة غير المشفرة لكنهم اعتادوا على مشاهدة المباراة فى المقهى، وأسوأ الأشياء هى التعود، فالإنسان يصبح أسير العادة ويصبح الفكاك من العادات أمر عسير.
العادة تؤدى إلى الإدمان، إدمان أى شىء وهذه فى الحقيقة مشكلة المدخنين ومدمنى الشراب، والعمل وعدم العمل، فكل شىء تشعر فيه بلذة ما تكرره، وعندما تكرره يصبح عادة وتدمنه، ولا تستطيع أن تتخلص منه إلا بمشقة بالغة وألم، وربما يكون هذا سبب عذاب المحبين أيضا.
المهم بدأت المباراة والحاج محمد فى المقدمة يوجه اللاعبين والحكم والجمهور كعادته فهو متعصب جدا فى الكرة ومن الممكن أن يتشاجر مشاجرة كبيرة إذا اعترض أحد على كلامه وتحليله للمباراة أو لا سمح الله مدح الفريق المنافس فهو لا يعرف التفاهم فى هذه المسألة.
فى لحظة احتسب حكم المباراة خطأ على منتخبنا فقام الحاج محمد ليضرب الحكم بقبضة يده على الشاشة وبقوة فأظلمت الشاشة تماما وأتى عمال المقهى ليتأكدوا من توصيلات الشاشة ويعيدوا فتحها ويعبثون بأزرار الشاشة والريموت كنترول كى تعود الصورة والمباراة لكن دون جدوى فأنفض المشاهدون وذهبوا إلى مقهى اخر ليشاهدوا بقية المباراة التى كانت فى بدايتها عندما ضرب الحاج محمد الحكم.
وجلس الحاج محمد مكانه وهو فى قمة الإستياء يجادل عمال المقهى بأنه ليس السبب فى تعطل الشاشة وأن ضربة يده للحكم كانت خفيفة وأخذ يشرح لهم أن بلازما الشاشة تأثرت بنقل الشاشة فى البداية وتعليقها فى مكان مرتفع وكأنه عالم فيزياء وعمال المقهى ينظرون إليه بتعجب.
طلب عمال المقهى فنى ليفحص الشاشة ويصلحها لهم والذى أخبرهم أن كارت الشاشة احترق وأنها تحتاج لكارت جديد غالى الثمن بالطبع وهذا الأمر سيستغرق يومين على الأقل ،فى هذه الأثناء نظرت حولى فوجدت أن الحاج محمد اختفى بهدوء وغادر المقهى.
فوقف عمال المقهى حائرون حتى جاء المعلم منصور الذى كان من حسن الحظ غير متواجد وقت الحادثة فقد كان يؤدى واجب عزاء فى أحد معارفه الأمر الذى منعه من التواجد وقت المباراة، وربما لو كان موجودا لحدثت معركة كبيرة، وأخذ المعلم منصور يسب ويلعن تصرفات الناس، وهو يلقى الكلام على الحاج محمد غير المتواجد بالطبع.
ويقول: “يعنى واحد جاى يشرب قهوة وشاى بعشرة جنيه يغرمنى ألفين جنيه.. إيه الناس دى؟!”.. ونحن جميعا نلتزم الصمت ولا نعلق على كلامه فأى تدخّل فى الحديث من أى شخص سيجعله طرف فى الموضوع، وعليه أن يشارك فى الحل وربما فى الدفع.
انتهت المباراة بالتعادل الذى لم يشف غليل الجماهير وأتى بعد ذلك بعض الرواد الذين شاهدوا المباراة وبدأوا فى تحليل المباراة وسب بعض اللاعبين والمدرب واتحاد الكرة والإشادة ببعضهم الأخر .
انتهت طاقتى عند هذا الحد من متابعة هذا السيرك البشرى فتركت المقهى وعدت إلى البيت لأنعم ببعض الهدوء وأنام.
.. ونكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.