لواء د. سمير فرج يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية بعد شهر من القتال

مر شهر علي اندلاع القتال عندما قامت القوات الروسية بغزو أوكرانيا بعد أن رفضت الأخيرة وحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية تقديم تعهد مكتوب بعدم انضمام أوكرانيا الي حلف الناتو وعدم وجود أي قوات أجنبية داخل حدود أوكرانيا، وبالتالي تهدد الأمن القومي الروسي وتمسك كل طرف بقراره ووصلت الأمور الي حافة الهاوية، مما دعي روسيا الي بدء هجومها علي اوكرانيا يوم 24 فبراير الماضي.

ولقد كانت خطة الهجوم الروسي يعتمد علي شكل جديد في أعمال القتال لم نتعود عليه من قبل حيث حددت القيادة الروسية أن تقوم خلال الخمس أيام الأولي من القتال بتدمير البنية الاساسية التحتية للقوات المسلحة الأوكرانية، حيث بدأت العملية الهجومية ضد أوكرانيا بفكر عسكري جديد هو تنفيذ ضربة صاروخية بدلا من الضربة الجوية المعتاد عليها في الفكر العسكري سواء كان في العقيدة الغربية أو العقيدة العسكرية الشرقية .

واستغلت روسيا امكانيات نظام الصواريخ البلاسيتية الجديدة المتطورة من حيث دقة الوصول لأهدافها وضعف وسائل الدفاع الجوي الأوكراني للتصدي للصواريخ المعادية لذلك نفذت روسيا ضرباتها الصاروخية ضد مراكز القيادة العسكرية الأوكرانية ومحطات الدفاع الجوي ومحطات الرادار والقواعد الجوية وأماكن تمركز الطائرات الأوكرانية ثم أخيراً التجمعات القتالية للقوات المدرعة والميكانيكية وطبقا للمدة المحددة من رئاسة الاركان الروسية وهي خمسة أيام حققت روسيا تدمير كامل للبنية الاساسية التحتية للقوات الأوكرانية وأصبحت السماء الاوكرانية مباحة تماما للقوات الروسية وهي ما نطلق عليه “السيادة الجوية” “Air Supremacy”.

ومع بدء القتال تقدمت القوات البرية الروسية داخل الاراضي الاوكرانية من خلال أربع محاور، الأول كان من اتجاه شبه جزيرة القرم في اتجاه مدينة خيرسون الاوكرانية حيث تم الاستيلاء عليها، أما المحور الثاني كان من اتجاه الجمهوريتان المنفصلتان لوغانسيك ودونتيسك لسرعة الاستيلاء علي ماريبول ومازالت القوات الروسية تقاتل حاليا داخل هذه المدينة بعد أن تعرضت الي أكبر تدمير شهدته المدن الأوكرانية في هذه الحرب، حيث أصبح الهدف في هذا الاتجاه هو الاستيلاء وتأمين منطقة دونباس والتي تشير التقارير أن روسيا تهدف الي ضم هذا الاقليم والجمهوريات الموجودة اليها الي روسيا بعد إجراء استفتاء شعبي خاصة أن معظم سكان هذا الاقليم يتحدثون اللغة الروسية ويدينون بالولاء الي روسيا حيث أنه بالاستيلاء عليه يصبح بحر آزوف تحت سيطرة روسيا والذي هو هدفها الرئيس للقتال في هذه المنطقة.
أما المحور الثالث للقوات الروسية هو اتجاه مدينة خاركيف حيث تدور أعمال قتالية شرسة حاليا في هذا الاتجاه بعد حصار شامل للمدينة والمحور الرابع القتالي الروسي من الاراضي الروسية في اتجاه تشيرنوبل والعاصمة الاوكرانية كييف وعلي نهاية شهر القتال كانت القوات الروسية، قد حققت السيطرة علي معظم الاطراف الاوكرانية من ناحية الجنوب والشرق وبدأت القوات الاوكرانية تحتمي بالمدن بعد أن فقدت السيطرة الجوية علي مناطق القتال.

ورغم أن القوات الروسية في البداية لم تهاجم منطقة لفيف في غرب أوكرانيا في اتجاه الحدود مع بولندا إلا أنها بدأت تنفيذ ضربات صاروخية شديدة ضد مخازن الذخيرة والبترول خاصة أنها أصبحت الاتجاه الذي سيدفع منه حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية دعمها العسكري الي أوكرانيا وخلال هذه الفترة تقوم القوات الروسية بحصار المدن الرئيسية الاوكرانية بدءاً من كييف العاصمة وخاركيف ودينيرو سومي وميكولايف وأخيراً أوديسا التي من المنتظر اقتحامها من القوات الروسية بعملية انزال بحري من اتجاه البحر الأسود، حيث أنها أهم ميناء لأوكرانيا ويتم تصدير معظم الصادرات من خلاله وفي حالة استيلاء القوات الروسية عليه سيصبح بحر آزوف والبحر الأسود تحت سيطرة روسيا الأمر الذي سيضع روسيا في موقف قوي خلال أي مفاوضات قادمة لاحلال السلام في المنطقة.

وتقول المصادر الغربية أن القوات الروسية عاجزة عن اقتحام المدن الاوكرانية نظرا لاعتبارات عديدة أوردتها هذه المصادر الغربية لكن الواقع أن الرئيس الروسي بوتن أعلن منذ البداية أنه لا يريد تحقيق النصر علي الارض ضد القوات الاوكرانية ونخسر حب الشعب الاوكراني بإحداث أكبر خسائر في المدنيين، لذلك فإن تقدم القوات الروسية نحو المدن الأوكرانية المحاصرة يتم بطريقة محسوبة للغاية ويكفي حجم التدمير الحاصل الآن في ماريبول نتيجة أعمال القصف والقتال .

وتري روسيا أن مطالبها من أوكرانيا في الفترة القادمة عندما تبدأ المحادثات للوصول الي اتفاق سلام هو أولا أن تعلن أوكرانيا أنها دولة محايدة ولا يسمح لها تملك قوة عسكرية، وأن كانت بعض المصادر اعلنت أن روسيا قد تسمح لها بقوات محدودة 60-40 ألف مقاتل، وثانيا اعلان أوكرانيا عدم انضمامها الي حلف الناتو أو أي أحلاف أخري أن تتعهد بعدم السماح بوجود أي قوات أجنبية علي أرضها، وثالثا أن تعترف أوكرانيا بحق ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ورابعا أن تتعهد أوكرانيا بعدم امتلاك أي سلاح نووي، وأخيرا أن تعترف أوكرانيا بحق الجمهوريتان الانفصاليتان في استقلالهما عن أوكرانيا، ونظراً للموقف العسكري الاوكراني غير القادر علي مواجهة الهجوم الروسي فلقد طلب الرئيس الأوكراني أن يتم فرض حظر جوي علي سماء أوكرانيا لمنع الطائرات والصواريخ الروسية من مهاجمة أوكرانيا الأمر الذي رفضه حلف الناتو والولايات المتحدة، كذلك طلب طائرات “ميج29” الروسية وصواريخ باتريوت لكن جاء الدعم العسكري الغربي الي أوكرانيا في صورة أسلحة دفاعية محدودة المدي من صواريخ الجافلين المضادة للدبابات وصواريخ ستينغر المضاد للطائرات و 100 طائرة انتحارية بدون طيار من طراز سويتشبليد يصل مداها الي 20 ميل وهذه الأسلحة ليست قادرة بالطبع علي مواجهة الدب الروسي في ميدان القتال.

وخلال هذا الأسبوع قام الرئيس جو بايدن بحضور ثلاث مؤتمرات الأول لدول حلف الناتو لإعطاء دفعة قوية لاعضاء الحلف ثم اجتماع الدول الصناعية السبع واجتماع الاتحاد الأوروبي حيث تأكد فيه مسؤولية حلف الناتو علي الدفاع عن كل الدول الأوروبية ضد أي تهديد روسي قادم ورغم العقوبات التي فرضت علي روسيا الا أن الدول الأوروبية رفضت قطع الغاز الروسي التي تصدر 40% من احتياجات أوروبا ويكفي أن المانيا تستورد 49% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا وكذلك ايطاليا 46% وبلجيكا 77% وغيرهم من الدول الأوروبية التي رفضت بالطبع الحظر علي الغاز الروسي ولم يتم تفعيل حظر التعامل بنظام سويفت المالي العالمي حيث أن استيراد الغاز الروسي لايزال يتم تسديد ثمنه من خلال هذا النظام ولعل رد الرئيس بوتن علي ضرورة تسديد الغاز الروسي بالروبل بدلا من الدولار اعتبارا من 31 مارس الحالي والذي لم يلق موافقة الدول الغربية التي تصر علي الدفع بالدولار الأمريكي طبقا لما هو مخصص في عقود الشراء.
وهناك أربع دول طلبت أن تقوم بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وكانت في البداية الصين وجنوب أفريقيا وفرنسا لكن قامت تركيا لتقوم بدور ايجابي حيث تمت المقابلة الأولي بين وزير خارجية الدولتين في انطاليا في تركيا ثم جاءت المقابلة الثانية في اسطانبول هذا الأسبوع ورغم طلب الرئيس الأوكراني أن يلتقي مباشرة مع الرئيس الروسي بوتن الذي رفض هذا اللقاء حاليا لحين وضع مجموعات التفاوض الاسس النهائية التي يمكن بعدها الرئيس الروسي أن يلتقي بنظيره الأوكراني.
ولقد انتهيت المفاوضات الثانية في اسطانبول بقرار من وزارة الدفاع الروسية بتخفيض عملياتها القتالية في كييف نظراً للاتفاق المبدئي علي الوضع الحيادي وغير النووي لأوكرانيا مع تحقيق الضمانات الأمنية حيث طلبت أوكرانيا ضمان تركيا وإسرائيل وكندا.
علي أية حال مازال الجميع ينتظر ماذا ستفسر عنه الأحداث مستقبلاً وهل ستنجح القوات الروسية بدخول العاصمة كييف وهل ستنجح في الاستيلاء علي مدينة أوديسا وحرمان أوكرانيا من البحر الأسود وتصبح دولة لاشاطئية وهل ستنجح روسيا في الصمود أمام الضربات والعقوبات الاقتصادية والتي من المنتظر أن تظهر نتائجها الفعالة له بعد ثلاث أشهر حيث يعتقد العديد من المحللين أن هذه الحرب لن تستمر أكثر من ثلاثة أشهر بعدها ستبدأ روسيا في ضرورة الوصول الي حل نهائي لهذه الأزمة التي أثرت علي العالم كله سواء الدول الغنية أو دول العالم الثالث.

زر الذهاب إلى الأعلى