بيان وتدبر: {1} سورة الأعلى.. الآيات (1-10)
حلقات تكتبها: رشا ضاحى
يقول رب العزة سبحانه وتعالى فى كتابه عن كتابه: { هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ }،
ويصف قرآنه: { هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }
.. هذا هو القرآن الذى أنزله الله فى هذا الشهر رمضان على قلب عبده محمد صلى الله عليه وسلم، ليتخذه خلقه دستورا لدنياهم وآخرتهم.. فتعالوا نتدبر آياته ونبحث فى معانيها لنعمل بمراميها.
{1} سورة الأعلى
سورة الأعلى سورة مكية، ويتناول محور السورة: تعليم الإنسان، ودفعه إلى اختيار الرب الأعلى، والقدوة العليا، والمنهج الأعلى، والأمة الأعلى، هذه السورة دعوة إلى العلو، إلى الرقي الحقيقي الذي لا زيف فيه، إلى رقي الإنسان ذاته.
هذه السورة ذات الأسرار، ذات الفضائل، هذه السورة القريبة المحببة من قلب النبي صلى الله عليه وسلم، المترددة على لسانه في أكثر من موضع، يسميها ربنا على أرجح القولين عند العلماء (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، وسميت في المصاحف ب “سورة الأعلى”، وذكرتها السيدة عائشة رضي اَلله عنها بـ “سورة سبح”.
أما عن بيان السورة : بسم الله الرحمن الرحيم
(سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى﴾ (الأعلى: 1)
نَزِّه ربك الذي علا على خلقه ناطقًا باسمه عند ذكرك إياه وتعظيمك له، وأن يكون تسبيحك له تسبيح يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم .
﴿الَّذي خَلَقَ فَسَوّى﴾ (الأعلى: 2)
الَّذي خلق الانسان سويًّا، وعدل قامته.
﴿وَالَّذي قَدَّرَ فَهَدى﴾ (الأعلى:3)
والذي قَدَّر الخلائق أجناسها وأنواعها وصفاتها، وهدى كل مخلوق
إلى ما يناسبه ويلائمه.
﴿وَالَّذي أَخرَجَ المَرعى﴾ (الأعلى: 4)
والذي أخرج من الأرض ما ترعاه دوابكم.
﴿فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحوى﴾ (الأعلى: 5)
فصيّره هشيمًا يابسًا مائلًا للسواد بعد أن كان أخضر غضًّا.
﴿سَنُقرِئُكَ فَلا تَنسى﴾ (الأعلى: 6)
سنقرئك أيها االرسول القرآن، ونجمعه في صدرك ولن تنساه، فلا تسابق جبريل في القراءة كما كنت تفعل حرصًا على ألا تنساه.
﴿إِلّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعلَمُ الجَهرَ وَما يَخفى﴾ (الأعلى: 7)
إلا ما شاء الله أن تنساه منه لحكمة، إنه سبحانه يعلم ما يُعْلَن وما يُخْفَى، لا يَخْفَى عليه شيء من ذلك.
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِليُسرى﴾ (الأعلى: 8)
ونهوّن عليك العمل بما يرضي الله من الأعمال التي تدخل الجنّة.
﴿فَذَكِّر إِن نَفَعَتِ الذِّكرى﴾ (الأعلى: 9)
فعظ الناس بما نوحيه إليك من القرآن، وذكّرهم ما دامت الذكرى مسموعة.
﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخشى﴾ (الأعلى: 10)
سيتعظ بمواعظك من يخاف الله؛
لأنه الَّذي ينتفع بالموعظة.
وبعد هذا البيان المختصر للآيات نتعرف على بعض هدايات التدبر:
▪ (سبّح اسم ربك الأعلى)
كما هو الأعلى في السماء سبحانه !
لابد أن يكون الأعلى في سماوات قلبك الأعلى في كل حياتك.
▪ (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)
لما خلق الله الإنسانَ ماسَّ الحاجة، ظاهرَ العجز؛ جعل لنيل حاجته أسبابًا، ولدفع عجزه حيلةً، دلّه عليها بالعقل، وأرشده إليها بالفطنة.
▪ ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى﴾
مِن أعظَمِ النعَم الَّتي أعطاها اللهُ للعبْد هيَ الحفظ ، فاحفظ ما ينفعك واترُك مالا ينفعك في حيَاتك وبعدَ مَماتك .
▪ (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)
كل ما أوتيته من مواهب وقدرات
إنما هو من فضل الله تعالى عليك
ولو شاء سبحانه لحرمك منه فاستجلب بقاءه بدوام شكره .
▪ (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)
قال الله : (ونيسرك لليسرى) ولم يقل (ونيسر اليسرى لك) ﻷن من وفقه الله أخذ بيده حتى يتقلب (في يسر).
▪ (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى)
أي ذكر حيث تنفع التذكرة، ومن ها هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم،
فلا يضعه عند غير أهله.
▪ (سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى)
لعل من أعظم أسباب الانتفاع بالقرآن وإشراق أنواره في قلب المؤمن , استحضار تعظيم الله وخشيته في قلب العبد عند القراءة .
ونستكمل غدا بإذن الله تعالى بيان وتدبر سورة الأعلى
دمتم في رعاية الله وأمنه