أمل محمد أمين: قنديل أم هاشم
في الاسبوع الماضي تم القبض على خبيرة تغذية شهيرة بتهمة الأضرار بصحة المواطنين والأدعاء بقدرتها على تصنيع تركيبات دوائية للتخسيس وعلاج النحافة والترويج لمنتجات علاجية تقوم بتصنيعها، واتضح من تحريات النيابة أن المتهمة خريجة خدمة اجتماعية ولا تمت بالصلة إلى مهنة الطب لا من قريب ولا بعيد.
عندما قرأت هذا الخبر لا أعرف لماذا تذكرت الشيخ درديري خادم مقام السيدة زينب في رواية “قنديل أم هاشم” الذي كان يعطي زيت القنديل المبارك في قارورات صغيرة لمن يرجو شفاء عينيه، واذا لم يشفى الشخص فليس لعيب في الزيت بل لأن أم هاشم لم يسعها بعد أن تشمله برضاها، ولعل هذا المريض لم يتطهر بعد من الرجس والنجاسة فبقي على حاله!
في زمن الرواية كانت بيئة المجتمع حاضن جيد لكل الخرافات والأكاذيب فقد كان معظم أهل مصر فقراء جدا، جهلاء، مرضى انقطعت بهم كل السبل عن التنوير فأصبحوا لعبة في يد كل محتال يتلاعب بهم ويوفر لهم الحلول لأمراضهم ومشاكلهم حتى ولو كانت هذه الحلول غير منطقية ولا فعالة لكن اليأس والرغبة في الشفاء تجعل البشر يلهثون أحيانا وراء السراب.
فإذا كان هناك مبرر لانتشار الدجل في هذا الوقت فماذا عن عصرنا الحالي! وكيف استطاع العديد من الأشخاص انتحال صفة معالج بل وانتاج دواء غير مرخص وساعدته وسائل الإعلام على الترويج له وتدمير صحة المواطنين؟! فليست خبيرة التغذية هي أول المتهمين فمن قبلها تم القبض على شخص أخر مشهور بإسم طبيب الكركمين والذي روج وباع أدوية واعشاب للعلاج على الرغم من أنه غير مصرح له بمزاولة مهنة الطب ولا بيع الدواء.
نفس المشهد تكرر في حادث المعالج الطبيعي المعروف بإسم “سمكري البني أدمين” ومرضاه من الفنانين والفنانات واتضح فيما بعد أن الرجل كان مجرد هاوي انتحل صفة طبيب وبدأ يمارس العلاج الطبيعي ويحقق نجاحا كبيرا حتى كاد أن يقتل احد السيدات فتقدمت ببلاغ للنائب العام وانكشفت الحقيقة المخجلة.
ولأن المتهمين في الأحداث السابقة من المشاهير ظهرت قضاياهم على السطح لكن على أرض الواقع فهناك المئات من هذه الحالات تكتشفها السلطات يوميا.
إن هذا الوضع المشبوه بثير التساؤلات حول المستفيد من استمرار تجارة الدواء المغشوش والغير مرخص الى درجة أن حصة هذا الدواء تمثل 10% من السوق المحلية أي ما يعادل ثمانية مليارات جنيه سنويا!
واذا كان الخبراء والمتخصصين طالبوا اكثر من مرة بضرورة وضع رقابة على الفضائيات قبل بث أي أعلان يروج لأي منتج صحي والتأكد من موافقة وزارة الصحة على هذا الاعلان قبل خروجه للناس فلماذا لايتم تأسيس إدارة متخصصة في الوزارة تعطي تصريح بالبث أو عدمه؟
ولماذا لا نتعلم من تجارب الدول العربية الأخرى وتبدأ مصر في تنفيذ برنامج وطني لمكافحة الغش والتزييف الدوائي، وتشترك فيه مصر مع المؤسسات العالمية التي تكافح غش وتهريب وتزييف الدواء عن طريق الانترنت والفضائيات مثل مؤسسة بينجيا المعروفة “pangia” والتي تعمل على إيقاف ومنع المواقع التي تنشر الأدوية المقلدة والمهربة والمغشوشة.
أيضا من الضروري أن تضع “هيئة الدواء المصرية” بالتعاون مع كل من “الإدارة المركزية للصيدلة” و”الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية” خطة زمنية لحملات مكثفة للتفتيش على الصيدليات والعيادات وأماكن بيع الدواء بطريقة منظمة بعيدا عن العشوائية فلابد أن تمنع هذه الجهات الضرر قبل وقوعه وتبدأ التحرك قبل فوات الأوان.
واذا كان الشعب في قنديل أم هاشم مغيبا وبلا وعي فعلى وسائل الإعلام في وقتنا الحالي تنبيه الناس ألا يتناولوا أي دواء قبل التأكد من أنه حاصل على كود وزارة الصحة وأنه منتج موافق عليه من قبلها وله تاريخ انتاج وصلاحية، وهو دور كل أعلامي وكل قادة الرأي في ربوع مصرنا الحبيبة.