إسلام كمال يكتب: سر طوابير التريليون جنيه!
عداد أرقام مدخرات المصريين، الذي لا يتوقف، ما شاء الله، وتصدر به بيانات البنوك الحكومية يوميا تقريبا، على خلفية الشهادات الإدخارية الأخيرة، يفجر عدة ملاحظات محورية، نستعرضها معا.
بداية، شاء من شاء، وأبي من أبي، فإن المدخرين المصريين لايزالوا يضعون ثقتهم المالية الأولى في البنوك الحكومية التاريخية، مهما كانت انتقاداتهم لأداء الحكومة الاقتصادى، وهذه من ضمن مفارقات المصريين، الذين مهما تطوروا، فهم لا يخرجون عن الطواف حول الكعبة الحكومية، بشكل أو أخر.
وهذه الملاحظة، تنقلنا للحديث عن البنوك الأجنبية، والتى لايزال هناك حاجز نفسي تاريخى بينها وبين المصريين، وأتصور أنه من ضمن الأمور التى تزيد هذه الإحساس، مواقف عديدة منها مثلا، تراجع بنك إماراتى كبير مقرب للإدارة الإماراتية الحاكمة، عن صفقة كبرى كانت تتحدث عنها الأسواق الإقليمية والعالمية خلال الفترة الأخيرة، حينما كان سيشترى البنك الإماراتى نسبة الإدارة في شركة هيرمس المصرية ذات التواجد الدولى.
الأمر معقد، والبعض قد يعتبره متشابك، ويتساءل ما علاقة ذلك بذاك؟! .. الفكرة فقط ياسادة في أن البنوك الحكومية لاتزال هى الداعم الحقيقي للاقتصاد المصري، مهما طالتها التحفظات، فالمصريون عندما يقلقون على “تحويشتهم” يهرعون لوضعها في شهادات إدخارية فى البنوك الحكومية.. والمواقف تكررت خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير من شهادات قناة السويس الجديدة، والآن شهادات ال١٨% الجديدة، التى تزامنت مع تحريك سعر الفائدة، وبالتالى سعر الصرف، وانخفاض سعر الجنيه.
البنوك الحكومية لاتزال الملجأ التقليدى للأسرة المصرية، كما هى “شكمجية الدولاب”، حيث المدخرات في شكل مشغولات ذهبية وماسية وغيرها، وفق أغلب الأسر على اختلاف مستوياتها..ومهما اختلفت الطبقات وتنوعت التحويشات والإدخارات، فمصيرها في الغالب لم يعد للذهب المجنون، بل الأفضل هو الشهادات الإدخارية الحكومية على تقليدية الفكر في التعامل معها.
الكثيرون يتابعون أرقام العداد التى لا تتوقف، وتكشف عنها بيانات البنوك الحكومية، التى تتفاخر بالأعداد المهولة التى تتزاحم عليها منذ قرابة الشهر، لدرجة أن “السيستم” يعانى في الفترة الأخيرة، في أغلب الجهاز المصرفي، لكنها معاناة إيجابية في النهاية، رغم تعطيلها لبعض الخدمات والمصروفات.
من غير المستبعد أن يصل عداد الشهادات الإدخارية الجديدة نحو التريليون، وسيكون رقما صادما للبعض داخليا وخارجيا بكل مدلولاته، ونحن قاربنا بالفعل على التريليون إلا ربع تقريبا الآن، أى أنه لو استمرينا بنفس المنوال، سنصل للرقم الموعود قبل عيد الفطر، وتصوروا إن كل هذا حدث في شهر الصيام، المشهور عنه في الصورة الذهنية المصرية والعربية، الركود الاقتصادى.
لكن السؤال الأهم الاعتيادي، هو كيف تستثمر الدولة هذا الكم الضخم من الأموال، خاصة أنها لجأت لقصة سندات الديون من جديد؟!، ومن ناحية أخرى كيف يؤثر اختفاء هذه الأموال الضخمة جدا من السوق؟!، وإن كان قد دفع المصريون هذه الأموال في الإدخار، فما لايزال لديهم في البيوت؟!، ولماذا لا يزال المصريون يثقون في البنوك الحكومية أكثر من الدولية، وهل هذا يدفع البنوك الأجنبية للقدوم للسوق المصرية أو زيادة استثماراتها فيها، أم يدفعهم لمراجعة خططهم؟!
الحالة في غاية التعقيد بالفعل، ونسب المكسب فيها، تقارب نسب الخسارة أحيانا، خاصة أن الأحوال العالمية غير مستقرة بالمرة، ونحن نتأثر بصورة مباشرة بذلك.
لكن المصريون فعلوا ما لديهم تجاه أنفسهم، وتجاه وطنهم، ليثبتوا من جديد مدى دعمهم لاقتصاد بلادهم، في أحلك الظروف، فالمصري هو السند الحقيقي، لا سند الدين، ولا البنك الدولى، وبقي دور الدولة المصرية في ضخ هذه الأموال في استثمارات صناعية حقيقية توفر فرص العمل بالملايين بسرعة، وتفتح سياقات اقتصادية جديدة غير تقليدية تحقق أرباح عالية تنقل الاقتصاد المصري لمكان آخر.