أمل محمد أمين تكتب: “دوامة الصمت”
قديما كانوا يقولون ” السكوت علامة الرضا” ولكن في الرأي العام الوضع مختلف فكثيراً ما يمتنع الناس عن إبداء رأيهم إذا كان مخالف للأغلبية أو للرأي السائد في الإعلام والمجتمع خوفا من اضطهاد الجماعة وخوفاً من العزلة الاجتماعية.
هذا الافتراض وضعته الباحثة الألمانية ” نيل نيومان” وسمتها نظرية “دوامة الصمت” تقول نيومان في نظريتها أن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات معينة خلال فترة من الزمن، فإن معظم الأفراد سوف يتحركون في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي يتكون الرأي العام بما يتسق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام.
بمعنى أنه في حالة تأييد وسائل الإعلام المختلفة لإحدى القضايا أو الشخصيات، فأن هذا يؤدي ذلك إلى تأييد معظم الأفراد للاتجاه الذي تتبناه وسائل الإعلام بحثـًا عن التوافق الاجتماعي.
أما الأفراد المعارضون لهذه القضية أو ذلك الاتجاه، فإنهم يتخذون موقف الصمت تجنبًا لاضطهاد الجماعة وخوفـًا من العزلة الاجتماعية وربما يتمدد الأمر للخوف من (العزل من الوظيفة… إلخ)، وبالتالي إذا كانوا يؤمنون بآراء مخالفة لما تعرضه وسائل الإعلام، فإنهم يحجبون آراءهم الشخصية، ويكونون أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين. (وبذلك يكون السكوت في هذه الحالة علامة الرفض لا الرضا).
وإذا صحت هذه النظرية فإنها تعكس القدرة الكبيرة التي تملكها وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام من خلال تكرار الرسالة ذاتها حيث تميل وسائل الإعلام إلى تقديم رسائل متشابهة ومتكررة حول موضوعات أو شخصيات أو قضايا، ويؤدي هذا العرض التراكمي إلى تأثيرات على المتلقين على المدى البعيد، واحيانا تسيطر وسائل الإعلام على الإنسان وتحاصره في كل مكان، وتهيمن على بيئة المعلومات المتاحة، مما ينتج عنه تأثيرات شاملة على الفرد يصعب الهروب من رسائلها، ويمكن ببساطة ملاحظة التجانس أي توافق الأفكار التي تقوم وسائل الإعلام ببثها وعرضها على جمهور المتلقين، كما يعني وجود اتفاق وانسجام بين القائمين بالاتصال مع المؤسسات التي ينتمون إليها مما يؤدي إلى تشابه توجهاتهم والقيم الإعلامية التي تحكمهم، وعليه تكون الرسائل التي تعمل وسائل الإعلام المختلفة على بثها تبدو متشابهة ومتسقة مع بعضها بعضًا مما يزيد من قوة تأثيرها على جمهور المتلقين.
وتؤدي هذه العوامل السابقة مجتمعة إلى تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون له رأي مستقل حول القضايا المثارة، وبالتالي تزداد فرصة وسائل الإعلام في تكوين الأفكار والاتجاهات المؤثرة في الرأي العام.
وفي اعتقادي أن حالة الصمت التي تفرض نفسها على الخائفون من إبداء رأيهم تحدث ايضا على في التجمعات الأصغر.
على سبيل المثال إذا اعتبرنا أن القرية أو الحي أو المبنى الذي يجمع مجموعة صغيرة من البشر وحدث في هذا التجمع أمر يحتاج إلى اتخاذ قرار فإن الأغلبية ستتجه إلى تأييد قرار القائد أو الشخصية الأكثر تأثيرا في هذا المجتمع وسيصمت المخالفين لهذا الرأي خوفا من العزلة أو العقاب، وهو ما يمثل تشويه للرأي العام الحقيقي أو الكامن؛ فإذا كان بعض الأفراد أو المجموعات لا تستطيع التعبير عن رأيها حتى على وسائل التواصل الاجتماعي التي روج لها البعض بقدرتها على زيادة التفاعلية وإعطائها مساحات لا متناهية في النشر وتشكيل الرأي العام فهذا يعني أن حتى تلك الوسائل فشلت في تعزيز الحرية في الاختلاف بالرأي وتبادل وجهات النظر بل ربما أصبحت وسائل أكثر قوة في فرض وجهة النظر الواحدة والتأكيد على العنصرية وتمييز طائفة على الأخرى.
ومن هنا فعلينا أن نطرح حلول لإعطاء مساحات أكبر للأقليات للتعبير عن رأيها مهما كان مختلفا عن الاغلبية، ومن الضروري وجود طريقة أكثر فاعلية في قياس الرأي العام الحقيقي وليس الظاهري لمعرفة الآراء والتوجهات الحقيقية للشعوب في القضايا والأزمات المختلفة حتى لايتحول الإعلام إلى أداة تخدم مصلحة النخب المهيمنة على المجتمع، بل وسيلة تعبير صادقة عن مشاعر الشعوب ومشاكلها ، وتخدم مصالح المجتمع وتساهم في التنمية.