طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى»: (٢9) زومبى قدماء المصريين

أٌفَضل دائما فى الإجازات والأعياد الابتعاد عن الزحام وعن المدن الشاطئية التى تكتظ بالبشر فى موسم الأعياد، لذا قررت الذهاب إلى مدينة الأقصر رغم حرارة الجو نسبيا إلا أنها من أجمل المدن المصرية.

هذه المدينة العظيمة التى كانت تسمى طيبة وكانت مقر للحكم فى أغلب العصور الفرعونية تخيل هذه المدينة كانت مقر الملوك والعظماء فى الدولة المصرية وكانت مليئة بالقصور الفاخرة ومظاهر الأبهة والعظمة والحدائق الغناء والطيور والبحيرات الجميلة التى كان يستمتع بها الملوك حول قصورهم.

والنيل الجميل ومياهه الصافية هنا فى الجنوب نزلنا فى أحد الفنادق العائمة أو البواخر النيلية الكبيرة فى رحلة سوف تأخذنا من الأقصر إلى أسوان لمدة أربعة ليالى أنها المتعة الحقيقة اصدقائى، أن ترى نهر النيل من فوق سطح الباخرة وعلى شاطيئه القرى الصغيرة والخضرة والهدوء والحياة البسيطة .

كنا مجموعة صغيرة من المصريين على المركب وكان هناك مجموعة كبيرة من الأجانب عرفت أنهم امريكان بعد أن تبادلنا الحديث بعض المرات ونحن جالسون فى بهو الباخرة جاءوا ليستمتعوا بالنيل العظيم وزيارة الآثار العظيمة الباقية منذ عصر المصريين القدماء.

كنت ألتقى بهم بحكم إقامتنا سويا على المركب وفى الزيارات المختلفة عرفت أنهم جماعة دينية يؤمنون بتناسخ الأرواح والتأمل كما فى رياضة اليوجا ومعهم رئيس الجماعة وهو رجل كبير فى السن اسمه جاك، هادىء الطباع يدير جلسات التأمل ويوجههم .

أحد أفراد المجموعة كانت سيدة فى الأربعين من عمرها قالت لى إنها عاشت فى مصر منذ الآف السنين وكانت بالتحديد الملكة نفرتيتي، وأخر قال لى أنه كان الملك رمسيس الثانى فى الزمن القديم.

وانا أستمع واتعجب وبقية المصريين على المركب ينظرون إليهم بإستغراب وكأنهم من كوكب اخر .
حتى كان يوم كنا فيه على شاطىء مدينة كوم امبو فى الطريق الى أسوان، وجمع جاك مجموعة الأمريكان فى دائرة بالقرب من معبد كوم امبو أو معبد سوبك المعبود المصرى القديم الذى كان يمثل على هيئة تمساح أو إنسان برأس تمساح وهو إله الوقاية من الشر ومن إخطار الفيضان فقد كانت هذه المنطقة من النيل ينتشر فيها التماسيح فى هذه الفترة وظلت كذلك حتى بناء السد العالي الذى حجزها خلف السد فى بحيرة ناصر .

أخذ جاك ومجموعته يهمهمون بصلوات وكلمات غريبة لم نفهم معناها ونحن نراقبهم عن كثب وبينما هم مستغرقون
تماما فى الهمهمة والتراتيل نبحت الكلاب الموجودة حول المعبد عليهم وأصبح صوت “هوهوة” الكلاب يغطى على صوت الهمهمة وراحت الكلاب تهوهو عليهم وتقترب منهم وتهاجمهم حتى اخرجوهم من حالة الإستغراق واضطر جاك أن ينهى الجلسة وأمر المجموعة بالعودة إلى المركب ونحن نضحك على هذه المفارقة إذ بمجرد ما بدات المجموعة فى الهمهمة والصلاة الخاصة بهم بدأت الكلاب تنبح بشدة وكأنه لا يعجبها هذا اللحن وهذه الجلسة.

عادت المجموعة على المركب وتحلقوا مرة أخرى حول قائدهم الذى بدأ يلقى عليهم محاضرة أو درس والجميع ينصت له بصمت وإهتمام بالغ فجأة انقطعت الكهرباء عن السفينة والغريب أن المولد الإحتياطى للسفينة الذى من المفترض أن يعمل تلقائيا لم يعمل فإنفضت الجلسة مرة أخرى وعاد التيار الكهربائي وانتهت الليلة ودخل كل واحد منا غرفته .

كنت أخشى أن تغرق السفينة بسبب هذه المجموعة وممارستها العجيبة لكن الله سلم .

فى الصباح الباكر بينما كانت الباخرة تشق النهر باتجاه أسوان ونحن جالسين على سطح المركب نستمتع بالشمس ومنظر الطبيعة الخلابة ومياه النهر الزرقاء لاحظت أن إحدى السيدات تنظر إلي بتركيز شديد وتتفحصنى دون أن تتكلم أو حتى تحول عينها عنى فظننت أن هناك خطب ما فى ملابسى أو مظهرى ثم اقتربت منى والقت التحية، فرددت عليها بإبتسامة وتحية ثم قالت: أنت من المصريين القدماء ؟

قلت لها لا أنا من المصريين الجدد المصريين القدماء كانوا طوال القامة يبلغ طول الواحد منهم أربعة أمتار على الأقل أو هذا ما افهمونا إياه.

فضحكت وقالت: لا أنت من المصريين القدماء انت فى الماضى كنت الملك أحمس الأول البطل العظيم قاهر الهكسوس.

قلت لها: ملك مرة واحدة ربنا يباركلك يا ست ثم راحت تتفحص ملامحى وتقول كلام غير مفهوم فشعرت أننى أمام ساحرة، وانتابنى الخوف فإستأذنت منها لأغادر المكان فابتسمت إبتسامة خفيفة ساخرة من ضحكتى البلهاء وعدم تصديقى لها.

قلت فى نفسى: مش كفاية حالة الزومبى ها ادخل كمان فى حالة الكائنات الفضائية وتقمص المصريين القدماء.

قبل المغرب طلب جاك رئيس المجموعة من عمال المركب أن يحضروا له حمامتين حيتين لونهما أبيض وأمام هذا الطلب الغريب لم يجد طاقم الباخرة مكان إلا القرى الواقعة على الشط ليشتروا منها حمامتين، اتضح أن جاك يريد الحمامتين لأنه سيعقد عقد قران اثنين من المجموعة شاب وفتاة على سطح المركب وحضر كل أعضاء المجموعة ليشهدوا عقد القران.

وراح يتلو جاك على يد الفتاة والفتى الصلوات أمام الجميع ثم باركهم وأمسك الحمامتين المسكينتين واطلقهما فى الهواء ليطيرا ربما كرمز لحياة جديدة ينعما فيها بالسلام لكن ماحدث كان مضحكا حقا فبمجرد أن أطلق جاك الحمامتين فى الهواء سقطا فى الماء وغرقا فى النهر فى الحال مما أصاب مجموعة الأمريكان بالدهشة وأصابنا نحن بنوبة ضحك كتمناه حتى لانظهر بمظهر سىء.

تجاهل جاك أمر الحمامتين وراح يهنىء العروسين ودعا جميع من على المركب لتناول حلوى الزفاف والمشروبات ومرت الليلة بسلام .

نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى