أحمد عاطف آدم يكتب: النِّديَّة وصراع «الأنا» الدخيلة ١
على طريقة “النوستاليجا” أو الحنين للماضي، وجدت نفسي أميل لمشاهدة بعض حلقات “العلم والإيمان”،، للمفكر الراحل دكتور مصطفي محمود، ثم وقعت عيني على إحدى حلقاته الملهمة، وكانت بعنوان: “قبلة علي يد زوجي”، بدأها العالم الكبير بمقدمة فلسفية عميقة وممتعة، قارن خلالها بين العلاقات الأسرية عند القرود، واحترامهم وتقديسهم لكبيرهم وهو رب الأسرة، وكذلك للحمة العائلة، مقارنة بالانحدار من جيل لجيل عند البشر، وأكد على وجه الشبه بين الإنسان والقرد، وبأنه ليس بالشكل فقط على حد وصفه – بل والسلوك الاجتماعي والنفسي أيضًا، معلقًا بفلسفته وفطرته المعهودة: “يبدو أن الإنسان يرى فى القرد طفولته، وأحيانا بيشوف نفسه واللي مخبيه جواه، بلاحظ أن القرد ده كاريكاتير إنسان، وزي ما قولنا، الوجه المستخبي في الإنسان القرد بيفضحه”.
وشيئًا فشيئًا ذهب الرجل لوصف الحياة الزوجية عند الإنسان حاليًا، بأنها عبارة عن “صراع سلطة”، ولا وجود للمودة والرحمة بالقدر الكافي – إلا بنسبة قليلة من الزيجات الناجحة، وأن المرأة تناقض نفسها في تحديد علاقتها بالرجل، حيث تقول: “راسي براسه” وتطالب بالمساواة، وإذا قبل الرجل تلك المساواة، لا يعجبها هذا الأمر أيضًا، بل تعود لتقول “أنا عاوزة واحد قوي، عاوزة اللى يحميني”، فى حين أنه ليس هناك مساواة مطلقة، فلا يستوي رجل مع رجل ولا امرأة مع امرأة أبدًا، وأضاف: “عمر ما استوا اتنين من يوم ما ربنا خلق الكون”، ثم وصل الكاتب الكبير إلي محطة الزمن الجميل قائلًا: “طبعًا كان آبائنا وأمهاتنا أسعد، الزوجة تدخل بيت الزوجية والراجل بالنسبالها هو ربها، تكيف نفسها على عيوبه وحسناته، وبالفعل كان هذا الزواج أيام أجدادنا أكثر نجاحًا،، وبفضل هذا الزواج الناجح اتربينا وطلعنا”.
وأنا في الحقيقة عزيزي القارئ، أجد أنه في زماننا المعاصر لا ضرورة ملحة للمرأة، تدفعها لإحداث هذا التحور لجينات القوامة الاجتماعية مع زوجها، عن عمد وبأي وسيلة.. ذلك التوجه الذي يحاربه ويرفضه آدم الشرقي فطريًا، ولا يقبل وجوده مطلقًا، بحكم ميله الغريري للعب دورًا قياديًا تجاه أسرته، بل إن المرأة نفسها لا تطمئن للحفاظ على كيانها كأم، وتأمين قدسيتها واحترامها في حياة أبنائها، إلا مع قيام رب الأسرة بدوره القيادي الحنون والمسئول. ومع إصرارها على مناطحته عند أي خلاف، لا تجني إلا تبعات عكسية مع الوقت، مثل تولد الكراهية ونشوب الخلافات المستمرة، وصولًا لنهايات مأساوية كحدوث الطلاق، أو على أقل تقدير خروجها من قلب شريكها الحبيب للأبد، تلك الخسارة الفادحة تعد فشلًا ذريعًا بالنسبة لها كأنثى، وتشعرها بأنها أصبحت غير مؤثرة بدلالها وجمالها – بعد سعيها لتبديل الأدوار داخل عش الزوجية.
فى النهاية يدفع الصغار الثمن بلا رحمة، بسبب صراع الأنا السلطوي، الذي تصر عليه الأم ويرفضه الأب، في حين أن الأم تمتلك مفتاحًا سحريًا للاستقرار، لكنها ترفض استخدامه، بعدما تخلت عن مسحة جمالها، ورونقها المتألق، وشخصيتها التي تميل بطبيعتها للاحتواء والإنسيابية، كما أن هذا الاحتواء لا يعد ضعفًا أو خضوعًا، بل هو إخضاعًا فى جوهره لقلب الزوج وروحه، فالرجل الشرقي عاطفي ورومانسي يميل للعطاء بطبيعته، لكنه يحتاج لشحن بطاريات هذا العطاء، كلما حاصرته ضغوط الحياة. وإحساسه لا ينقطع بالمسئولية تجاه أسرته، والمرأة الذكية هي من تعرف متي تضع “فيشة” الشحن فى القابس، لتجني من شريك حياتها ما يفوق طموحها – بلا ندية أو صراع.
وللحديث بقية.
اقرأ ايضا للكاتب: