طارق السيد متولى يكتب «يوميات زومبى»: (30) زومبى الجنيه النوبى

على الباخرة السياحية النيلية كنا نكمل رحلتنا من مدينة كوم امبو حتى وصلنا بحمد الله إلى مدينة أسوان الرائعة.

رست الباخرة على شاطىء النيل وخرجنا بعد تناول طعام الإفطار لزيارة الأماكن السياحية، هناك معبد فيلة الذى تم نقله من جزيرة فيلة إلى جزيرة اجيليكا بعد أن اغرقته مياه الفيضان فى جزيرة فيلة وهو عمل عظيم إذ تم تقطيع المعبد قطعة قطعة وإعادة تجميعه على الجزيرة الجديدة اجيليكا بشكل كامل وبنفس تصميمه وهيئته.

هذا المعبد كان مكرس لعبادة المعبودة إيزيس، ويرجع اسم فيلة أو فيلاي إلى اللغة الإغريقية التي تعني (الحبيبة) أو (الحبيبات) أما الاسم العربي لها فهو أنس الوجود نسبة لأسطورة أنس الموجودة في قصص ألف ليلة وليلة أما الاسم المصري القديم والقبطي فهو بيلاك أو بيلاخ ويعني الحد أو النهاية لأنها كانت آخر حدود مصر في الجنوب، وذهبنا إليها فى قوارب بخارية صغيرة (لنشات) .

فى هذه البقعة الهادئة الجميلة شاهدت طيور النورس ونقار الخشب تلحق فوق سطح الماء فى منظر بديع، بعد انتهاء الزيارة مررنا ولابد أن نمر على أحد البازارات أو الأسواق المحلية لبيع الهدايا والتذكارات السياحية لأنها تقع فى المسافة بين مرسى المراكب الصغيرة وموقف الأتوبيسات التى نستقلها.

وسمعت لأول مرة فى حياتى عن الجنيه النوبى حيث وجدت احد البائعين يعرض بضاعته على الأجانب ويقول بخمسة جنيهات فقط وهذا بالطبع سعر زهيد للغاية جعل الأجانب يقبلون على الشراء لكن البائع عندما كانوا يعطونه خمسة جنيهات مصرية أو ما يقابلها بالدولار كان يقول لهم : لا السعر خمسة جنيهات نوبية، ولما كان لا أحد يعرف قيمة الجنيه النوبى وما يعادله بالدولار فكان يخبرهم أن سعره يعادل عشرة دولارات ما يعنى أن خمسة جنيهات تعادل خمسين دولارا، وهذا سعر خيالي لأى من التذكارات التى فى معظمها لا تساوى أكثر من عشرون جنيها.

صدمت فى الحقيقة من هذه الحيلة وسألته عن أى شىء يتحدث، هل هناك جنيه نوبى؟!.. ضحك وقال لى أنه يمزح فقط لجلب الزبائن فقلت له هذا خداع وليس مزاح، وأخبرت الأجانب بأنه يمزح مما اضطره لإعلان السعر الحقيقى للسلع.

بعد ذلك ذهبنا لزيارة السد العالى وفى مدخله بناء اسمنتى يعرف كرمز للصداقة المصرية الروسية حيث أن روسيا كانت الدولة المانحة لبناء السد بعد رفض البنك الدولى وأمريكا تمويل بنائه وشرح لنا أحد المهندسين السد وعدد فتحاته وطريقة عمل التوربينات المولدة للكهرباء.

لكن مما لفت نظرى هو الأراضى التى تصحرت أمام السد على جانبى النهر، أما خلف السد فكانت بحيرة ناصر الشاسعة بمياهها الصافية الشفافة المليئة بالأسماك.

فى طريق العودة للباخرة توقفنا عند محل لبيع العطور الشرقية والتوابل كجزء من الزيارة وأسوان من قديم الزمن مشهورة بالعطور والتوابل التى كانت تأتى من بلاد بونت الصومال الحالية وبلاد أفريقيا الواقعة على نهر النيل.

ولما كانت مجموعتنا تضم الأجانب الأمريكان وقف بائع يشرح لنا أنواع العطور بإنجليزبة ركيكة خالية من قواعد اللغة فى الغالب تعلمها بنفسه من خلال معرفة بعض معانى المفردات والكلمات واستخدام طريقته الخاصة فى استخدامها، فمثلا عندما أراد أن يخبر المجموعة أن سعر كل زجاجة عطر مكتوب أسفل الزجاجة قال إن سعر الزجاجة موجود (down stairs) ومعناها فى الطابق السفلى بدلا من أن يقول إن السعر موجود (at the back of each bottle) بمعنى على ظهر كل زجاجة.

والمثير للسخرية رد فعل الأجانب على كلام البائع، فبعضهم قام يبحثون عن سلالم توصلهم للطابق السفلى، فيما وقف البعض مشدوها لا يفهم كلمة (السعر _ down stairs).

ولما انتهى البائع من شرح أنواع العطور واسماءها أراد أن يقول للأجانب بالإنحليزية: الآن تستطيعون الذهاب لإنتقاء العطر الذى يناسبكم فقال لهم ( now you can go ) وتعنى الآن يمكنكم الإنصراف، ولم يكمل لعدم استطاعته ترجمة انتقاء العطر الذى يناسبكم ولم يكن عليه أن يستخدم كلمة go التى تعنى الذهاب أو الإنصراف من الأساس، فما كان من المجموعة إلا أن غادروا جميعا المحل ووقف هو مشدوها هذه المرة.

والحقيقة أن التحدث أو التعبير بلغة أجنبية من الصعوبة بمكان حتى على الذين يتقنون هذه اللغة وقواعدها لكن بدرجات متفاوتة فاللغة اى لغة تعبر عن ثقافة وعادات وموروثات وأمثلة شعبية ومصطلحات من الصعب أن تجد لها مثيلا فى لغة أخرى.
ونصيحتى فى هذا الصدد، ألا يتحدث أحد بلغة لا يعلمها جيدا ولا يستطيع ترجمة كلماتها ترجمة صحيحة .

وفى المجمل شعب أسوان شعب طيب جدا على طبيعته وفى منتهى النظافة ويبدو هذا فى ملابسهم من الجلالبيب ناصعة البياض التى يرتدونها دائما، كما أنه متعاون جدا يساعد السائحين فلا تجد الأخيرون يتعرضوا للمضايقات التى يتعرضوا لها فى أماكن سياحية أخرى .

وعدنا أخيرا إلى الباخرة لتناول طعام الغذاء والإستراحة قبل الإستعداد للسفر والعودة للقاهرة فى اليوم التالى.

نكمل فى يوم أخر من يوميات زومبى فإلى لقاء.

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى