أسماء خليل تكتب: أناسي بثمانية أذرع
بينما كنتُ بزيارة لصديقتي، وبعد التحية والسلام جلسنا في مجلسنا المُعتاد، وإذا بفتاتها التي أشرفت على العشرين من سني عمرها تجلس على المقعد المواجه لنا، فسرعان ما نهضت صديقتي لعمل فنجالين من الشاي، فقلت لها دعي فتاتنا تفعله هي؛ لنستطيع قضاء الوقت معا، ردت صديقتي: إنها لن تقوم بضبطه، ثم ذهبت هي.
وبينما نحن جلوس إذ دقَّ جرس الباب، فهمَّت صديقتي بالوقوف تبحث عن المفتاح لتنزل درج ثلاثة أدوار وتفتح البوابة الرئيسية للمنزل، كررتُ نفس وجهة نظري، أن اجلسي صديقتي ودعي ابنتنا هي التي تقوم بفعل ذلك؛ فسرعان ما ردت : ابنتي مالبثت استيقاظا من النوم!.
وتواصلت المتطلبات.. من يريد كوب ماء ومن يحتاج ملعقة سكر ومن يدق الباب…. إلخ، وصديقتي لن تتوانى عن القيام والجلوس، وفتاتها لم تقوم بتحريك ساكنًا!!
.. إنها فقط تُمسك الجهاز الخاص بها ولا تحرك سوى أعضاء وجهها ما بين الضحك والعبوس، وتتلقى مشاعرها من تلك الآلة المتصنمة التي تحاكيها في جمودها!..
إذا تأملنا تلك المشاهد ومثيلاتها.. نجد أنه كما أودع الله- سبحانه وتعالى- في رحم الأم أرواحًا، أودعَ داخل رأسها عقلًا؛ لتستطيع رعاية ذلك النشء وتربيتهم التربية الصالحة، لكن عليها أن تُدرك أن للإصلاح مقاييسًا تُعرض على المجتمع وهو من يصدر أحكامه بالصلاح أو الفساد.. وعلى قارعة كل الطرقات أمٌ تقول أنا ربيتُ أَولادًا صالحين، فهل بحق هم صالحون؟!،،
حينما احتار خبراء التربية في أمر نتائج العملية التربوية، هل صلاح الحال يعود إلى الأم كجزء من البيت، أم للمجتمع بكل مؤسساته؟!.
.. إذا سلمنا جدلًا أن الأمر مشاركة؛ ستجد قلبك يميلُ إلى أن البيت هو المنبع والأساس، فكل ما تقوم بفعله الأسرة الصغيرة من أب وأم يستقيه الأبناء، ويرسخ داخلهم وإن علَّمهم الشارع كثيرا فهم المسؤولون عن ذلك؛ لأنهم هم من ألقوهم فيه بلا أُسس ومعايير!.
وليس أعجب من أن يشتكي العالم – الآن- من أبناء كاملي الأعضاء صحيحي العقول، ولكنهم معاقون فكريَّا وحركيا غير صالحين لتقديم أي شيء لمجتمعاتهم.. إنها نفس الأم التي قامت بالتربية في كل الأزمنة، ولكن المختلف هو الفهم الخاطئ ومعنى الحب المغلوط،،
أين هو الحب الحقيقي الذي توجهه والدة لابنتها، ولا تجعلها تقوم بفعل كوب من الشاي حتى تتخرج من الجامعة؟!.
وأين تلك المحبة لأب لا يجعل ابنه يشتري خيطًا بإبرة، ويقول هو مازال يتعلم، وحينما يكمل تعليمه ماذا يفعل معه!!.
الأم التي لا تجعل ابنتها تقوم بعمل أي شيء بحجة أنها تذاكر، وهي تقوم باللعب على تطبيق “تيك توك”، وتحضر لها القهوة والطعام وهي لم تغادر السرير، وتحضر لها ملابسها وحذائها وتلخص لها دروسها، ولا تجعلها تقوم بعمل أي شيء بالحياة.. كيف تخرج تلك الفتاة لمواجهة المجتمع!؟.. فقط إنسانة معاقة لا تستطيع التفكير أو ممارسة الحياة، حاصلة على شهادة عُليا!!..
كذلك الولد الذي تقول له أمه – منذ الصغر- “أنتَ راجلي” ، ولا تجعله يفعل أي شيء، يكن نائما ويطلب من أمه كوب الماء، وكذلك أبيه لا يجعله يمتهن أي مهنة بحجة أنه يريده في مكان أعلى، ولا يجعله يتحمل مسؤولية أي شيء.
ثم ترى ذلك المشهد جليًّا.. أب وأم يحملان حملا ثقيلا وابنا جالسًا يُمسك بالهاتف ولا يكون في محل أبويه ويحمل عنهما ما يحملان!!.
إنه “الحنان القاتل”.. صناعة أخطبوط بثماني أذرع، لا يعرف شيئًا بالحياة سوى الأخذ والصيد، لا مكان للعطاء.. ثم نتساءل : لماذا هذا الجيل هكذا؟!.. فقط لأن ما يتم زراعته هو ما نجنيه يوم الحصاد..