القس بولا فؤاد رياض يكتب: فى ذكرى دخول السيد المسيح أرض مصر.. «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ»

تحتفل الكنيسة في أول يونيو من كل عام الموافق 24 بشنس للشهداء، بمناسبة غالية علينا نحن المصريين، وهي دخول السيد المسيح مع أمه السيدة العذراء مريم، والقديس يوسف النجار، لبلادنا العزيزة مِصر.

ومجيء السيد المسيح إلى بلادنا مصر لم يكن صدفة، إنما لتحقيق نبوات عن ذلك منها ما قاله النبي اشعياء: فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا. (أش 19: 19).

هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. (أش 19: 1).

مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ (أش 19: 25)، وأيضاً ما جاء في هوشع النبي القائل: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. (هو 19: 1).

وتبدأ رحلة العائلة المقدسة عندما عَلم هيرودس الملك الشرير بميلاد السيد المسيح، فخاف على مُلكِه واضطرب وأمر بقتل جميع أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون، لكي يضمن قتل يسوع.

فأرسل الله ملاكه ليوسف النجار في حلم قائلاً: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. (مت 2: 13، 14).

ورحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى بلادنا مصر كانت شاقة وشيقة، وفيها معجزات كثيرة. منها كيف استطاع الشيخ الوقور يوسف النجار أن يقطع هذه الرحلة، ومعه السيدة العذراء والطفل يسوع، ويقطع مسافة أكثر من 1000 كيلو متر!.

بداية السؤال كيف عرف الطرق في الصحاري والوديان؟ ولم يكن معه (خريطة ولا جي بي اس)؟ الإجابة: أن الروح القدس كان يرشده في الطريق.

وعندما دخلت العائلة المقدسة إلى بلادنا مصر عن طريق البوابة الشرقية “صحراء سيناء” من جهة الفَرَما أتوا أولاً إلى مدينة “تل بسطا” بالقرب من الزقازيق فسقطت أصنام المدينة أمام جلال الطفل الإلهي، لذا لم تقبلهم المدينة وأهلها رفضوا إقامة العائلة المقدسة في وسطهم، لذا نزحوا إلى أحدى ضواحي المدينة وهناك وجدوا شجرة مكثوا عندها أياماً.

وأنبع الطفل الإلهي نبع ماء فحمته أمه العذراء وغسلت ملابسه وسُمي هذا المكان “المحمة” أي مكان الاستحمام، وتسمى الآن مسطرد حيث يوجد بئر، وكنيسة العذراء بمسطرد.

ومن ضمن الآيات والمعجزات التي حدثت أثناء وجود العائلة المقدسة في بلادنا مصر، عندما جاءوا إلى منطقة جبل الطير بالقرب من سمالوط، وأثناء مرورهم في مركب بالنيل كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم بفعل امرأة ساحرة شريرة، فارتعبت السيدة العذراء، فمد الطفل يده ليمنع الصخرة من الوقوع عليهم، فانطبعت كفه على الصخرة وصار الجبل يعرف باسم “جبل الكف”.

وتوجد كنيسة باسم كنيسة سيدة الكف بجبل الطير بسمالوط.

ثم سافروا إلى الأشمونين بمركز ملوي، وهناك أيضاً أحدث معجزات وآيات كثيرة منها أن حصاناً من النحاس كان في مدخل المدينة لحراستها، وقد تحطم هذا الحصان عند مرور الطفل يسوع من أمامه، وسقطت أيضاً أصنام وأوثان المدينة، فغضب كهنة الأصنام وأهلها.

كذلك كان يوجد شجرة لبخ عالية كان يتعبد لها الوثنيون لأنه كان يسكنها شيطان، وعندما اجتاز الطفل يسوع أمامها انحنت الشجرة إلى الأرض وكأنها تسجد له، والشيطان الذي كان يسكن تلك الشجرة اضطرب وهرب.

طبعاً غضب الوثنيون الذين كانوا يتعبدون لها، وبعد ذلك استقامت الشجرة بعد أن تركها الشيطان، واصبحت لها قوة عظيمة في شفاء الأمراض، ومن ضمن المعجزات في مدينه “سخا” مركز كفر الشيخ أن أوقفت العذراء ابنها يسوع المسيح على قاعدة عمود فغاصت قدميه في الحجر، وانطبعت قدميه عليه، ثم تفجر نبع ماء وسُمي هذا المكان “كعب يسوع ” وصار مصدراً للبركة والشفاء.

ومرت العائلة المقدسة بمدينة “بلبيس” واستظلت تحت شجرة صارت تعرف بشجرة العذراء مريم.

ويُحكى أن جنود نابليون ضربوا بالفأس فرع من الشجرة ليطبخوا طعامهم، ولكن الشجرة بدأت تَدمي فارتعب الجنود وخافوا أن يمسوها، وعند مرورهم على جبل النطرون “برية شيهيت أو الإسقيط” بارك الطفل يسوع وأمه العذراء مريم هذا المكان، وصار فيما بعد عامراً بأديرته المعروفة بأديرة وادي النطرون (دير الأنبا بيشوي، دير البرموس “العذراء”، ودير السريان “العذراء”، و دير الأنبا مقار) وذلك تحقيقا لمباركة السيد المسيح لهذا المكان وقوله لأمه العذراء: اعلمي يا أمي أنه سيعيش في هذه الصحراء كثير من الرهبان والنساك و المجاهدين الروحانيين و سيخدمون الله مثل الملائكة” وأيضاً من المعجزات والآيات التي حدثت في وادي النطرون وما زالت موجوده حتى الآن.

حينما عطشت العائلة المقدسة في قلب صحراء وادي النطرون ولم تجد السيدة العذراء مصدر للماء سوى بحيرة شديده الملوحة، فخاضت داخلها لأمتار وأخذت بعض الماء منها لتروي طفلها، ليتحول الماء المالح إلى ماء عذب، وينفجر في نفس الوقت ينبوع مياه عذبة، جسدت ما يعرف بمعجزة “نبع الحمراء”، وهذه المياه مباركة تشفي أمراض الروماتويد والروماتيزم وجميع أمراض الحساسية بأنواعها، ومرت العائلة المقدسة على منطقة المطرية وجلست العائلة المقدسة يستظلون تحت شجرة، وكانوا في احتياج للماء، فلمس الطفل يسوع على الأرض بقدميه الطاهرتين، فنبع عين ماء شرب منه، ثم غسلت العذراء ملابس الطفل ثم صبت ماء الغسيل على الأرض، فأنبتت في تلك البقعة نباتاً عطرياً ذو رائحة طيبة جميلة، ويعرف هذا النبات باسم البلسم أو البلسان (يوجد شارع في المطرية باسم شارع البلسم بخارجة المطرية).

وللآن موجود في المطرية شرق القاهرة شجرة مريم وهي من المحطات الرئيسية والمهمة في مسار العائلة المقدسة، والجنود الفرنسيين بقيادة كليبر بعد أن انتصروا على الجيوش التركية في معركة عين شمس، ذهبوا إلى شجرة مريم، وكتبوا على فروعها اسماءهم مستخدمين في ذلك آسنة حرابهم وسيوفهم، وقد نال بعضهم نعمة الشفاء لعيونهم وأمراضهم المختلفة بعد أن اغتسلوا من ماء البئر، وسجلوا شكرهم لله على ما نالهم من خير ببركة شجرة مريم، وماء البئر، وذهبوا إلى جبل قسقام “الدير المحرق” وكان آخر محطة وصلت إليها العائلة المقدسة، وهي أكثر المحطات التي مكثت فيها العائلة المقدسة قرابة ستة شهور، حيث بنى القديس يوسف النجار بيتاً صغيراً من الطوب، وغطى السقف بأغصان النخيل، ونسى يوسف النجار أن يعمل للغرفة شباك، ولكن السيد المسيح بنفخه من فيه انفتحت طاقة بالغرفة.

وكان سكان المنطقة يأخذون بركة الطفل يسوع، وينالون الشفاء من أمراضهم وأسقامهم، وكان يوجد بئر ماء مالح، ولكن عندما شرب منه الطفل يسوع وأمه ويوسف النجار، صار عذباً ويشفي الأمراض.

وقبل أن يغادر الطفل يسوع وأمه ويوسف هذا المكان أعلم السيد المسيح أمه بأن هذا المكان مُقدس، وستقام فيه كنيسة، وسيكون هذا البيت هيكلاً مُكرساً لله، وفعلاً صار هذا المكان دير السيدة العذراء “المعروف بالمحرق” نظراً لكثرة حدوث الحرائق في هذه المنطقة، وهو من ضمن المحطات الرئيسية والمهمة لمسار العائلة المقدسة.

مكثت العائلة المقدسة في هذه الرحلة حوالي ثلاث سنوات ونصف، نالت منه بلادنا البركات، وتحققت النبوات، ونشكر ربنا أن البابا فرنسيس الثاني قدم لبلادنا هدية قيمة وغالية، وهي اعتماد العائلة المقدسة لبلادنا مصر مقصداً سياحياً هاماً لأكثر من ملياري مسيحي حول العالم.

ونشكر جهود الحكومة المصرية بتوجيهات رئيسنا المحبوب عبد الفتاح السيسي لإعداد هذه الأماكن أن تكون مزارات سياحية عالمية، وبالرغم من جائحة كورونا التي أصابت العالم إلا أن جهود التنمية في بلادنا، وخصوصاً التنمية السياحية تسير على قدم وساق. ولا ننكر وجود شبكة طرق ممتازة في كل ربوع بلادنا العزيزة.

نطلب من الله أن يرفع عن العالم وعن بلادنا المحبوبة هذا الوباء، وأن تعود السياحة وخاصة السياحة الدينية بقوة.

‏واخيراً نستطيع أن نقول ونحن نحتفل بعيد دخول السيد المسيح إلى بلادنا العزيزة مصر، وهي أول قطعة أرض على سطح الكرة الأرضية خطتها قدميه الطاهرتين كانت مصر – أرضنا مصر – لأنه جاء محمولاً على ذراعي أمه السيدة العذراء، وتعلم السير على قدميه بمصر، وعلى أرضها أول طعام أكله السيد المسيح على سطح الكرة الأرضية من أطعمة ومزروعات مصر، وأول ماء شربه السيد المسيح على سطح الكرة الأرضية كان ماء نهر النيل – ماء مصر – لأنه جاء بمرحله الرضاعة من السيدة العذراء وتم فطامه وبداية تناوله للطعام والشراب بمصر.

ومصر هي الدولة الوحيدة التي زارها السيد المسيح بالجسد غير دولة مولده (أرض فلسطين). وهي التي احتمي فيها هرباً من هيرودس الملك الشرير، وكان بإمكانه الاتجاه إلى لبنان أو سوريا أو الأردن أو العراق شرقاً أو منطقة الحجاز جنوباً بدلاً من مصر.

لذلك لدينا تمام الثقة أن أول دولة خطتها قدمي السيد المسيح لن تخرب، وأول دولة أطعمت السيد المسيح لن تجوع أبداً، وأول دولة روت ظمأ السيد المسيح لن تعطش، وأول دولة جاء إليها السيد المسيح ستكون آمنة ووعد الله لها:
مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ
‏مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي
فلتحيا مصر، وكل عام ومصر والمصريين بخير، ونصلي لكي ما يرفع الله عن بلادنا والعالم الوباء. آمين.

…………………………………………………………….

الكاتب: كاهن كنيسة مارجرجس بالمطرية – القاهرة

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى