أسماء خليل تكتب: بالورقة والقلم
هل يتذكر أحد الآن – من الشباب وباقي فئات المجتمع – الكتابة بالورقة والقلم؟!.. هل يتذكر أحد مدى المُتعة الحقيقية حينما كان يخُطُّ الخط الجميل بهما؟!.. أين وجودهما الفعلي في حياتنا اليوم، ولماذا قل استخدامها؟!..
لم تكن الكتابة بالقلم مجرد شيء عابر يقوم به الأشخاص، لكن كانت هناك طقوس مصاحبة لذلك العمل، من القيام بشراء قلم سن رفيع أم سميك.
ولعشاق الكتابة بالقلم الرصاص يقومون ببريهِ وتحسيينهِ وإحضار مُذكرات ذات زخرفة جانبية رقيقة، و الإمساك بالقلم والكتابة بفن على الورق الأبيض بخط النسخ أو الرقعة أو الثلث او الكوفي… إلخ.. وسط أجواء هادئة تحيطها رائحة القهوة التي تتخذ مسارها بين احتساء رشفة وبخارٍ بالأنف وصولا للعقل المفكر فيزداد توهجًا..
واليوم.. في تلك الآونة.. إنها مجموعة من الأفكار المتلاحقة.. السريعة كسرعة الحياة.. يقوم صاحبها بفتح الهاتف واتخاذ أنامل أصابعه، ربما إصبع واحد وفقط، وإلقاء كل ما في العقل عليه.. “الموبايل فون”.. “التاب”.. “الحاسوب”.. لم يعد هناك مجالا الورقة والقلم!!..
لم تكن الكتابة بالورقة والقلم إلا رمزًا لكثير من أحوال حياتنا، التي بات فيها المرء يركضُ ركضًا من قبل سطوع الشمس حتى منتصف الليل.. بسرعة إرسال رسالة إلكترونية باتت حياتنا.. وما لبث السلام والكلام والتعامل كسلام العهود التي انتشر بها مرض“الْجَرَب”.
وحينما انتشر ذلك المرض الجلدي اللعين في أحد العصور التاريخية، كان السلام بمجرد إيماءة رأس من أشخاص متباعدين أمتارًا وبشكل غاية في السرعة.
وما برح كل شارٍ أو بائع أن يقوم بإجراء تلك العمليات بشكل غاية بالسرعة كأنه يخطف السلعة أو يلقيها، ومن يقابل الطبيب لموعد الكشف، يقوم الطبيب بمحاولة عدم التقرب ومجرد لمس السماعة لجسم المريض وأحيانا الاستغناء عن تلك الخطوة، وكتابة أنواع الدواء بصورة سريعة خشية انتقال الجَرَب..
وكذلك طالب العلم كاد يتلقى المعلومة من المعلم “وهي طايرة” وربما لم يستطع إكمالها، ويقوم المعلم بإلقاء المعلومات الدراسية بشكل سريع كأنه على شفا حفرة ربما يقع في أي حين، ولا داعٍ لنقل خيراته لطلاب، ربما الإطالة ستكلفه حياته.
ها نحن قد وصلنا الآن لذلك الزمن، وبات “الجَرَب” هو الحائل الخفي بين المرء وأبويه من جهة، وبين ابنه أو وزوجته من جهة أخرى، وبينه وأصدقائه من جهة ثالثة، وتفككت الدنيا.. خوفا من ماذا؟.. لا أحد يعلم!!..ربما “الجرب الفكري”.
إذا ضاعت نسخة الوورد التي تكتب عليها ولو آلاف الكلمات، أو تم مسحها بواسطة ابنك الصغير، فسيضيع مجهودك هباءً، إلَّم تقم بحفظ ما تكتبه سيضيع كل شيء..فلا يوجد مكانٌ للأمان، كذلك الدنيا دونما ورقة وقلم ينبغي عليك بها شدة الحرص.
هب أن العالم استيقظ من سُباته العميق في متاهة الدنيا، فلم بجد “فيسبوك” أو “ماسنجر” أو “تويتر” أو “واتس” أو “تليجرام”…. إلخ.. ماذا سيفعل؟!.. عساهُ ألا يندم وقد قام – من ذي قبل- بفصل التاريخ تعسفيًّا.. بجَرَّةِ قلم.