وائل نجم يكتب: حفظ البويضات الملقحة بين الشرع والقانون
من المعلوم شرعًا أن الإسلام دين العلم، ويدعو إلى الاستفادة من منجزات العلم الحديث لإسعاد الإنسانية والبشرية، وتحقيق معاني الخلافة عن الله عز وجل بشكل صحيح، ولكن كل ذلك لا يكون إلا في إطار الضوابط الدينية والأخلاقية التي دعت إليها الأديان السماوية ومنها الشريعة الإسلامية.
وعلى الخلفية السابقة نناقش قضية حفظ البويضات الملقحة لغرض الإنجاب، بالأساس، وأغراض أخرى منها:
1- حقن البويضات مرة أخرى في رحم الأم إذا فشلت المحاولة السابقة، أي بعد شهر على الأقل من المحاولة السابقة.
2- حقنها في رحم الأم من أجل حمل جديد إذا نجحت المحاولة السابقة، أي بعد سنتين تقريباً من الحمل الأول.
3- التبرع بها أو بيعها لامرأة أخرى: وهذا موجود في بعض البلدان.
4- استعمال البويضات الملقحة في إجراء التجارب الطبية.
وصدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بتحريم تجميد البويضات، بل ما زاد عن الحاجة في عملية أطفال الأنابيب تنزل فتنتهي حياتها، وينتهى معها إمكانية اختلاط الأنساب وسهولة أمره في بنوك الأجنة، بل تدل على كثرة وقوعه، وكونه تجارة يتعاطاها بعض الذين لا يخافون الله تعالى، ولا يخشون يوم الحساب. ولهذا يجب الحذر والاحتياط، فنسب الإنسان مهم كروحه بلا شك، وهو مما ميز الله به الإنسان عن الحيوان، وهذا غير مستقيم من الناحية الشرعية، وفى ذلك أمور:
أولها: أن البويضات وكذا الحيوانات المنوية التى تتكون قبل الزوجية إنما خُلقت للفناء والتلف بالخروج، وحفظها مجمدة للتخصيب بعد الزواج يخالف ما خُلقت له، بخلاف البويضات والحيوانات المنوية التى تتكون فى ظل الزوجية، فهى للحمل والإنجاب، وهذه السنة الكونية إنما هى لحكمة إلهية لا ينبغى الإخلال بها؛ لأن الإخلال بها حتماً يخل بالنظام الكونى الذى نظمه الخالق جل وعلا.
ثانيها: أنه من المعلوم أن المرأة إذا بلغت سن اليأس تفقد المبايض القدرة على التبويض، وهذا يعنى فقد قدرتها على الحمل، وقطعاً لله تعالى فى ذلك حكمة تظهر من مجرد التأمل اليسير الذى يؤيده البحث الطبى، وهى تكمن فى حماية المرأة بتجنيبها الحمل الذى لا يناسبها بعد بلوغ هذه السن، وإلا فالله قادر بكل يقين على أن يجعل قدرة المرأة على التبويض مستمرة ما بقيت على قيد الحياة،
ويؤكد هذا أن الرجال لا يبلغون سن اليأس هذه، بل تبقى قدرة إفراز الحيوانات المنوية والقدرة الإنجابية إلى الشيخوخة المتقدمة، وإن اعتراهم الضعف الجنسى الذى لا يرتبط بإفراز الحيوانات المنوية، والفرق واضح؛ فالرجل لا يحمل، ومن ثم فلا خطر عليه من استمرار قدرته على إفراز الحيوانات المنوية، وتجميد بويضات المرأة إذا كان المقصود منه استخدامه بعد بلوغها سن اليأس يخل بهذه الحكمة.
ثالثها: أن البويضة وكذا الحيوانات المنوية المتكونة قبل عقد الزواج لا يجوز استخدامها فى ظل عقد الزوجية؛ لأن الحمل فى الأصل يكون من بويضة وحيوان منوى تخلقا فى ظل عقد زواج يجعل من اختلاطهما أمراً مشروعاً، بخلاف اختلاطهما من دون هذا الغطاء الشرعي؛ حيث يكون حمل سفاح لا مشروعية له، ووجود عقد الزواج بعد تجميد البويضات أو الحيوانات المنوية لا يعطيهما المشروعية، بدليل أن حمل السفاح الحاصل قبل عقد الزوجية لا يستفيد من هذا العقد، بل يبقى حمل سفاح مع وجود عقد النكاح، ولا يغير من هذا الأمر أن عملية التلقيح تحدث فى ظل عقد النكاح الحاصل بعد عملية التجميد؛ حيث إن البويضات والحيوانات المنوية وُجدت قبله لا فى أثنائه.
رابعها: أن عملية التجميد قد تتم فى ظل الزوجية، كما يحدث فى الحالات العلاجية للمساعدة على الإنجاب؛ وقد لا تكون هناك مشكلة لدى الزوجة أو الزوج، ولكن يراد من تجميد البويضات والحيوانات المنوية الإنجاب مستقبلاً لخوف فقد القدرة عليه لتقدم العمر، فإذا كان الإنجاب سيحدث فى ظل الزوجية وقبل بلوغ المرأة سن اليأس فهو مقبول ما لم يكن التجميد مؤثراً على سلامة الجنين ونشأته وصحته بعد ولادته، أما إن كان المقصود خوف موت الزوج دون إنجاب – حيث يتم زرع العينة بعد الوفاة – فالحكم فيها كالحكم فى العينة المحفوظة قبل عقد الزوجية، فلا يجوز زرع هذه العينة، ويجب التخلص منها فوراً؛ لأن انقطاع الزوجية يفقد هذه العينات المشروعية.
خامسها: أن فتح هذا الباب يفتح أبواباً تهدد سلامة الأنساب التى هى أحد مقاصد شرعنا الحنيف؛ فقد تختلط العينات المحفوظة بعضها ببعض، وقد يحدث تلاعب متعمد من قبل بعض ضعاف النفوس من الأطباء الذين يقومون بسحب العينات وحفظها أو من غيرهم، وقد يحدث حمل من سفاح بعد وفاة الزوج، فتدعى المرأة أن الحمل تم بزرع عينة مجمدة منها ومن زوجها قبل الوفاة، وغير ذلك كثير مما يتذرع له، وسد باب الذرائع واجب شرعاً.
والخلاصة أنه لا مشكلة فى استخدام عمليات تجميد البويضات والحيوانات المنوية من زوجين للمساعدة على إتمام الحمل فى أثناء الزوجية لا قبلها ولا بعدها، أما التجميد خارج إطار الزوجية، فهو غير مشروع، ولا يكتسب المشروعية بالزواج الحاصل بعده، وكذا لا مشروعية للحمل الحاصل بعد انقطاع الزوجية بعينة مجمدة فى أثناء الزوجية.