د. قاسم المحبشى يكتب: سيكولوجية الأدوار وتجربة السجن والجلاد
الإنسان كائن أناني اعتباطي تبريري فإذا منح دور وسلطة يتمثلها بكل حذافيرها ويسلك ويتصرف بحسب مقتضياتها بغض النظر عن عواقبها وأثارها خيرا أو شرا.
وكل إنسان في الواقع هو ممثل لسلسلة من الأدوار الاجتماعية (دور الأب ودور الأم ودور الابن ودور الابنة ودور الزوج / الزوجة، ودور الصديق ودور الزميل ودور المدير ودور السجان ودور الجلاد ودور القاضي ..الخ).
وأكدت نظرية الدور الاجتماعي بأن سلــوك الفرد وعلاقاته الاجتماعيـة إنمـا تعتمد على الأدوار الاجتماعيـة التـي يشغلهــا فــي المجتمــع، فضــلاً عــن أن منزلته ومكانته تعتمد على أدواره الاجتماعية المعترف بها والمقدرة اجتماعيا خير تقديرا.
فلا سلطة إلا بوظيفة ولا وظيفة إلا بدور اجتماعي ولا دور اجتماعي إلا بفاعل اجتماعي يقوم به صاحبه في المجتمع.
والدور هو نمط الأفعال أو التصرفات التي يتم تعلمها الأشخاص أما بشكل مقصود أو بشكل عارض وتحدد سلوكهم وتصرفاتهن في المواقف الاجتماعية التفاعلية بوصفهم فاعلون اجتماعيون، وتستند نظرية الدور على مجموعة من الفرضيات الأساسية وهي:
١- توقع سلوك الأشخاص بحسب أدوارهم الاجتماعية.
٢- إن بعض أنماط السلوك تعد صفة مميزة لأداء الأفراد الذين يعملون داخل إطار معين .
٣- إن الأدوار غالبا ما ترتبط بعدد معين من الأفراد الذين يشتركون في هوية واحدة .
٤- إن الأفراد غالبا ما يكونون مدركين للدور الذين يقومون به، وإلى حد معين الأدوار يتحكم فيها حقيقة الإدراك بها .
٤- إن الأدوار تستمر بسبب ما يترتب عليها من نتائج من ناحية وبسبب ارتباطها بسياق نظم اجتماعية أكثر اتساعا من ناحية اخرى .
٥- تتعزز الأدوار الاجتماعية وتستمر بحسب ما تناله من اعتراف وتقدير اجتماعي إيجابي ومكافئة وظيفية عينية، وهذا هو ما بينته نظرية ستانفورد في تجربة السجن والجلاد.
في أغسطس 1971، نفذ عالم النفس «فيليب زيمباردو» تجربته الشهيرة «سجن ستانفورد»، التي كان هدفها معرفة تأثير الأدوار والبيئة على الأشخاص، إذ خلق بيئة سجن في أحد أقسام جامعة ستانفورد، وأعلن عن فرصة للتطوع في التجربة، فتقدم ما يقرب من 70 متطوعًا، واختير 24 منهم بعد المقابلات والاختبارات المعيارية للتأكد من سلامتهم النفسية وأهليتهم للتجربة.
وُزِّعت الأدوار على المتطوعين عشوائيًّا بين حراس وسجناء، وبدأت التجربة بإعطاء الحراس اللباس الخاص بهم، والنظارات السوداء لمنع التواصل البصري مع السجناء.
ومن أجل تعزيز دور السلطة والقوة في الحرس، سلموهم العِصي الخاصة بهم.
أما السجناء فجردوهم من ملابسهم وهوياتهم، وأعطوهم أرقامًا عوضًا عن أسمائهم، وسلموهم لباس السجن. بذلك يتعامل الحارس مع رقم، وليس مع شخص لديه كرامته وحقوقه الخاصة.
وكان الحراس يعملون في مناوبات خلال اليوم على مدى ثماني ساعات للفترة الواحدة.
والتجربة التي كان من المقرر أن تستمر لأسبوعين، اضطر الدكتور زيمباردو إلى إنهائها في اليوم السادس، بعد أن أصبح الوضع لا يُحتمَل، وصارت الإهانات والضغط النفسي على المساجين بسبب الحراس لا تطاق، بداية بالعقوبات الجسمانية، مرورًا بالإهانات والقرارات العشوائية، كإيقاظ السجناء من نومهم وطلب عمل تعداد أو تمارين، وصولًا إلى إجبار السجناء على تطبيق تصرفات مؤذية على بعضهم بعضًا.
وقد تم تركيب اجهزة كهربائية لتعذيب السجناء تتضمن ثلاث درجات من عملية التعذيب بثلاثة ازرار الأخضر والأصفر والأحمر. وكان يطلب إلى المعنيين بدور المحققين تشغيلها أثناء عملية تعذيب السجناء وانتزاع اعترافاتهم.
إذ لاحظ صاحب التجربة أن المحققين يسرعون إلى ضغط الزر الأحمر برغبة وحماسة وهو في منتهى القسوة والألم أكثر من الزر الأصفر والأخضر.
بدأ الحراس التصرف بعدوانية وقسوة تجاه السجناء، في حين أصبح السجناء مكتئبين ومحبطين، إذ عانى 5 سجناء مشاعر سلبيةً حادةً منها البكاء والقلق الحاد، ووجب إعفاؤهم من الدراسة باكرًا.
وكتب زيمباردو في كتابه «أثر إبليس»: «لم يستطع مقاومة إغراءات الموقف في الانصياع للسلطة والسيطرة مع الحفاظ على قدر من النزاهة والأخلاق إلا فئةً قليلةً من الناس، لكنني حقًا لم أكن من هذه الفئة النبيلة» وفقًا لزيمباردو وزملائه، تؤكّد تجربة سجن ستانفورد أهمية الدور الذي تؤديه الظروف والمواقف في السلوك البشري، فقد وضعوا الحراس موضع سلطة فتصرّفوا بطريقة قد تختلف عن تصرفاتهم في حياتهم اليومية أو في مواقف أخرى، ولأن السجناء وضِعوا في موقف لا يملكون أي سيطرة فيه، أصيبوا بالاكتئاب والبلادة.
وبغض النظر عن الانتقادات التي وجهت لتجربة ستانفورد بوصفها مثالًا عن الأبحاث غير الأخلاقية، وحصر المشاركين على فئة من الذكور الاميركيين البيض وعدم كفايته في تمثيل الشرائح الاجتماعية الأوسع في المجتمع، بغض النظر عن كل تلك الانتقادات التي وجهت للتجربة في تكشف أحد خفايا النفوس البشرية في المواقف والأدوار المختلف وأثر البيئة والتربية في عملية التنشئة الاجتماعية للإنسان.
والنتائج التي يمكن استخلاصها من تلك التجربة العلمية هي:
١- أن الأدوار الاجتماعية تشكّل سلوك وتصرفات الأفراد في المواقف المختلفة بغض النظر عن قيمهم الأخلاقية.
٢- سلوك الفرد يمكن التنبؤ به من معرفة دوره الاجتماعي إذ أن الدور يساعدنا في تنبؤ السلوك .
٣- لا يمكن إشغال الفرد للدور الاجتماعي وأداؤه بصورة جيدة وفاعلة دون التدريب عليه , علماً بأن التدريب على القيام بالأدوار الاجتماعية يكون خلال عملية التنشئة الاجتماعية .
٤- تؤثر المؤسسة والبيئة والثقافة السائدة في تمثل الافراد لادوارهم الاجتماعية وممارستها برغبة وحماسة.