د. ناجح إبراهيم يكتب: هذه رسالة الحج
كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان “هذه رسالة الحج” وتم نشره في جريدة الوطن وهذا هو نص المقال:
• كما أن موعظة الجبل التي ألقاها السيد المسيح عليه السلام من فوق جبل طابور بالجليل تعد أهم وأبلغ وأشمل مواعظه،وهى الموعظة الخاتمة والجامعي للمسيح ، فإن خطبة عرفات تعد أعظم خطب الرسول قاطبة وأشملها وأكثرها عمقاً وتمثل الوصايا الجامعة لهذه الأمة.
• كانت خطبة عرفات مشحونة بالمشاعر الفياضة بين الرسول المودع لأمته وبين الجموع الغفيرة التي احتشدت له مد البصر, فها هو يلمح بالوداع “أيها الناس اسمعوا قولي لعلي لا ألقاكم بعد عامى هذا” إنه وداع النبي لأمته والدنيا بعد أن ملأها براً ورحمة وعفواً وزهداً وورعاً.
• وهاهم ينصتون إلي النبي المودع في خشوع وطاعة ومحبة, بعد أن بارزوه طويلاً بالعصيان والعداوة, وبعد أن نكلوا بأصحابه وأخرجوهم من بلادههم .
• ها هو يقول لجرير “استنصت الناس يا جرير” فينصت الشجر والحجر والمدر والسماء والأرض لكلمات النبي المودعة, وها هو يرى ثمرة كفاحه وحصاد دعوته التي استمرت 23 عاماً ، عانى وبذل فيها الكثير, ليرى ثمرتها من خلال هذه الجموع المؤمنة التي تكبر الله وتعبده حق العبودية.
• أعظم ما قيل في خطبة الوداع “إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا” يعني به التحريم المضاعف والمتواصل مرات ومرات بحرمة اليوم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام.
• ووالله لو أن هذه الأمة أخذت بهذه الفقرة وحدها من خطبة الوداع ما تنكبت الطريق،وما ضلت السبيل وما أصبحت معظم شعوبها من اللاجئين وتوزعت بين القتلى والجرحى والمشردين، وما استيقظت كل عده أيام علي تفجيرات ومذابح ومجازر وقبور أو سجون جماعية أو فساد وسرقات لا تعد ولا تحصي, أو تحرش في كل شارع أو حارة، ولتوقفت الأمة عن الولوغ في الدماء الحرام والأعراض المحرمة والأموال المحرمة.
• أروع فقرة مؤثرة في خطبة الوداع قول النبي في ختامها “ألا هل بلغت “وهم يجيبونه : نعم ثلاث مرات، وهو يشير إلي السماء في كل مرة “اللهم فاشهد”.
• رسول يريد من أمته أن تشهد علي أمانته ودقته في تبليغ الرسالة, رغم أنه لا يريد هذه الشهادة لأن القرآن شهد له, ولكنه أراد أن تشهد هذه الأمة لرسولها وعلي نفسها وللأجيال القادمة باكتمال الرسالة وتمامها, وأن كل خرق سيحدث فيها بما كسبت أيدينا، وكل تخلف أو استبداد أو تكفير أو تفجير أو فقر أو جوع أو ظلم أو هضم ليس بسبب الرسالة ولكن بسبب البعد عن الرسالة والتخلي عنها والتنكر لتعاليمها.
• يا سيدى يا رسول الله نشهد أنك أديت وبلغت ونصحت ودعوت وما قصرت، ونحن أهل الغفلة والتقصير والنسيان والعصيان.
• ترى لو أن القاعدة وداعش والميلشيات الشيعية وكذلك التكفيرية وصدام وبشار وأمثالهما قرأوا هذا البند فقط من خطبة الوداع وحاولوا تطبيقه, ستكون الدنيا أفضل وأكثر سلاماً وأمناً ومحبة.
• أعظم نصيحة فى موعظة الجبل “طوبى لصانعى السلام فإنهم أبناء الله يدعون” وأعظم نصيحة للرسول في حجة الوداع “اتقوا الله في النساء” وقوله: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم” وقد حرم المسيح في موعظة الجبل كل مقدمات القتل وعلي رأسها الغضب، ولم يحرم الزنا فحسب ولكنه حرم مقدماته وأولها النظرة المحرمة, وقد حرمها الرسول صلي الله عليه وسلم فقال “لا تغضب” وكرر مراراً لا “تغضب” وقال: “النظرة سهم مسموم من سهام إبليس”.
• «وَفَدينَاهُ بذبحٍ عظيم» تعنى فيما تعنى أن الإنسان أعظم من كل ما فى الأرض.. وحياته أغلى من كل الدنيا.. فلا تنهض الأمم على أشلائه ولا تنتصر الجماعات على دفق دمائه ولا يسود الحكام على ذله وهوانه وفقره وحاجته ، ولا تتقدم الدول على يتم وتثكل وترمل الكثير من أبنائها وبناتها.. ولا يبنى جاه القادة على بكائه وعويله.
• الحج والحشر يتناغمان في كل شيء مبنى ومعنى، فأول سورة الحج تفتتح بقوله تعالي: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ “والحج يبدأ بالنداء, نداء إبراهيم عليه السلام “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا”والكل يلبى” أما الحشر ويوم القيامة فيبدأ بالنفخ في الصور “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ”.
• والحج فيه الإحرام وتتخلى فيه عن كل الثياب، بل وعن الدنيا كلها بزينتها ونياشينها ورتبها، وكذلك عند الموت والخروج من الدنيا تكفن بمثل هذه الملابس ولا يكون معك شيء”.
• الحج هو تذكير وتذكر بهذه الأسرة الإبراهيمية العظيمة التي يمكن أن يجتمع أبناء الأرض جميعاً علي محبتها والاقتداء بها والسير علي نهجها، إنه تذكير بأعظم الصالحين علي وجه الأرض وأكثرهم استسلاماً وانقياداً فمن هذه الأسرة نبتت شجرة النبوة المباركة سواءً سيدنا موسى وغيره من أنبياء بنى إسرائيل واليهود أو سيدناً عيسي إمام الدنيا كلها وقدوة المسيحيين والمسلمين أو سيدنا محمد خاتم المرسلين “عليهم السلام” كلهم جميعاً من أحفاد إبراهيم الذي يحتفى الحج والحجاج باستسلامه وانقياده وصبره وبذله وعطائه، سلام علي الأنبياء والمرسلين.. وكل عام وأنتم بخير.