عاطف عبد الغني يكتب: اليهود وثورة 23 يوليو (1) ثروة مصر

بالتأكيد كانت الدنيا غير الدنيا، وكانت الناس غير الناس.. كانت مصر ملكية يحكمها ملك جده الأعلى ليس مصريا، كان ألبانيا، ويدعى محمد على، لم يكن الشرق فى هذا العهد يعرف إلى حد كبير، المفهوم العميق للدولة الوطنية، لكن كانت هناك نخبة صاعدة تدعو إلى هذه الدولة، ومع بدايات القرن العشرين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كان هناك مد فى الحركات التحريرية، مد نزاع إلى القوميات.
وعلى أثر هزيمة الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، تشكلت الحركات الوطنية العلنية والسرية، والجمعيات العربية ذات الطابع القومي التى تنادى بالاستقلال، وخاصة فى مصر والشام، لكن السمة الرئيسية لهذه الحركات، أنها ظلت نخبوية، ولم تكن جماهيرية.
وحتى عندما قامت ثورة 19 فى مصر التفت فيها الجماهير حول عدد من الرموز الوطنية (أشخاص) وعلى رأسهم سعد زغلول الذى كان وقتها يمثل الكرامة المصرية مقابل العدو المحتل للبلاد من الإنجليز.

الوطنيون.. والكرباج

وظلت النخب الوطنية فى مصر تكافح من أجل الاستقلال عن بريطانيا إلى أن حصلت عليه شكليا قبل الحرب العالمية الثانية، لكن عمليا كان فى مصر الملك فى أعلى هرم من الطبقات الإقطاعية والرأسمالية غير الوطنية مهيمنة بشكل كبير على كل قطاعات الاقتصاد المصرى، ولم تكن ثروة مصر فى أيدى المصريين، كانت فى أيدى الأجانب، وكان اليهود يمثلون فيهم علامة بارزة، ولا تصدق أنهم انخرطوا كثيرا بين أبناء البلدإ إلا قليلا من فقرائهمالذين توزعوا على أنحاء المحروسة، وأن سكن اغلبهم ما يشبه الأحياء المقفولة عليهم والتى يطلقون عليها اسم “الجيتو” وكان العوام يسمونها حارة اليهود، أما الأغنياء منهم فكانوا مشدودين إلى الأجانب، الذين توافدوا إلى مصر بكثرة فى عهد الخديوى إسماعيل، وعاشوا عيشة الملوك، والباشوات، والنبلاء، وميزوا أنفسهم فى الأحياء التى سكنوها، فى القاهرة والأسكندرية، والإسماعيلية، وباقى مدن القناة، وفى العزب، والأبعديات التى امتلكوها فى الأرياف المصرية، ووظفوا فيها المصريون بالسخرة، والكرباج.

من رحم عصر الخديو إسماعيل

الخديو إسماعيل فى اخريات أيامه
الخديو إسماعيل فى اخريات أيامه

ودعونا لا نبتعد كثيرا فى التاريخ، ونعود إلى استرجاع مشاهد هذه الأيام ونبدأ من عند الخديوى إسماعيل، الذى بدأ حكمه لمصر فى 18 يناير، عام 1863 وإلى أن خلعه فرمان من السلطان العثماني عن العرش تحت ضغط كل من إنجلترا وفرنسا في 26 يونيو 1879.
ونحن ننقل التالى بتصرف عن كتاب المؤرخ إلياس الأيوبي فى المعنون بـ (تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا) الصادر فى سنة 1922.
من رحم عصر الخديو إسماعيل، وُلِدَ أشهر رجال المال والأعمال في ذلك الزمان ، ففي أواخر عهده برزت أسماء تجار ورجال بنوك أجانب ويهود امتلكوا مشروعات خاصة ووضعوا أيديهم على جزء كبير من ثروة البلاد ، والشاهد أن اليهود الذين زادت هجرتهم إلى مصر في عهد الخديو إسماعيل تمتعوا بكل الامتيازات الأجنبية، ومن تسعة آلاف يهودي يقيمون في مصر في عهد محمد علي باشا، ارتفع الرقم حسب تعداد السكان لعام 1898 إلى 25200 نسمة، ثم زاد في تعداد 1927 إلى 55063 إلى أن أصبح 65639 ، وفق تعداد عام 1947، ويبدو أن التطور الاقتصادي في مصر كان عامل الجذب الأساسي لقدومهم واستقرارهم بها .

عائلة سوارس

رافائيل ساويرس
رافائيل ساويرس

وهكذا تردد اسم عائلة سوارس التي امتدت أذرعها براً وبحراً ، وسوارس عائلة سفاردية وفدت من ليفورنو في إيطاليا ثم استقرت في مصر النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وحصلت على الجنسية الفرنسية ، وقد أسَّس الإخوة الثلاثة، رافائيل ( 1846 – 1902 ) ويوسف ( 1837 – 1900 ) وفيلكس ( 1844 – 1906 ) ، مؤسسة سوارس عام 1875 ، وفي عام 1880 قام رافائيل سوارس بالتعاون مع رأس المال الفرنسي ومع شركات رولو وقطاوي، بتأسيس البنك العقاري المصري، كما قام بالتعاون مع رأس المال البريطاني الذي مثَّله المالي البريطاني اليهودي سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلي المصري عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان .

كما اشترك سوارس مع كاسل وعائلة قطاوي في شراء 300 ألف فدان من أراضي الدائرة السنية وإعادة بيعها إلى كبار الملاك والشركات العقارية، كذلك اشترك سوارس مع رأس المال الفرنسي في تأسيس شركة عموم مصانع السكر والتكرير المصرية عام 1897 والتي ضمتها عام 1905 شركة وادي كوم أمبو المساهمة، وكانت من أكبر المشروعات المشتركة بين شركات قطاوي وسوارس ورولو ومنَسَّى ، كما كانت واحدة من أكبر الشركات الزراعية في مصر ، شارك سوارس في تأسيس شركة مياه طنطا ، وفي مجال النقل البري، أسست العائلة شركة ( سوارس لعربات نقل الركاب )، حتى أن وسيلة النقل هذه سميت على اسم العائلة : السوارس.

الإتجار فى الأراضى

وتعاونت سوارس مع عائلة قطاوي في إقامة السكك الحديدية، كما امتلكت العائلة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأراضي البناء في وسط القاهرة حيث سُمِّي أحد الميادين باسم ( ميدان سوارس ) نسبة إلى فليكس سوارس ، لكن اسم الميدان تغير إلى مصطفى كامل اعتباراً من عام 1939 ، كما امتلكت عائلة سوارس حصصاً وأسهماً في العديد من الشركات ، واحتل كثيرٌ من أفرادها مواقع رئاسية وإدارية في كثير منها ، فتولى ليون سوارس ( ابن فليكس سوارس ) إدارة شركة أراضي الشيخ فضل وإدارة شركة وادي كوم أمبو ، وعند وفاة أبيه ترك ليون مؤسسة سوارس ليخلف أباه في إدارة البنك الأهلي والبنك العقاري المصري .
وبمبادرة من إدجار سوارس – الذي تولَّى رئاسة الجماعة في الإسكندرية في الفترة من 1914 – 1917 اشترت شركة مساهمة كان من مؤسسيها آلاف الأفدنة، وبعد استصلاحها تم بيعها بمساحاتٍ صغيرة للمزارعين وبقروض طويلة الأجل .

يعقوب قطاوى

وتقفز إلى الذاكرة عائلة قطاوي ، وهي عائلة مصرية يهودية برز عددٌ من أفرادها في النشاط السياسي والاقتصادي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين ، وترجع أصولها إلى قرية قطا شمالي القاهرة .
بدأ دور هذه العائلة مع نزوح أليشع حيدر قطاوي إلى القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر ، حيث حصل ابنه يعقوب ( 1801 – 1883 ) على امتيازات من الحكومة للقيام بأنشطة تجارية ومالية ، وكان أول يهودي مصري يمنح لقب _ بك ) ، كما حصل على لقب ( بارون ) من الإمبراطورية النمساوية المجرية التي حملت العائلة جنسيتها ، وقد أوكلت إليه نظارة الخزانة في فترة حكم الخديو عباس الأول ( 1849 – 1854 ) ، واحتفظ بهذا المنصب خلال حكم الوالي سعيد والخديو إسماعيل .
وتولَّى في أواخر أيامه رئاسة الجماعة اليهودية في القاهرة التي كانت تُسمَّى ( الطائفة الإسرائيلية ) ، وبعد وفاته في قصره بشبرا في 13 إبريل نيسان 1883 ، خلفه ابنه موسى قطاوي ( 1850-1924 ) في رئاسة الطائفة ، واختير عضواً في البرلمان المصري ، كما مُنح لقب الباشوية .

بناة المعبد

وكان موسى قطاوي من كبار رجال المال والبنوك ، وتولَّى إدارة عدد من الشركات وساهم في تمويل مشروعات السكك الحديد في صعيد مصر وشرق الدلتا ومشروعات النقل العام في القاهرة بالتعاون مع عائلات سوارس ورولو ومنَسَّى .
لعبت هذه العائلة دورا كبيرا في تشييد معبد اليهود في شارع عدلي أحد أشهر أحياء القاهرة التجارية عام 1899 والذي تم تجديده عام 1988 بتبرع من المليونير اليهودي نسيم جاعون ، وافتتح رسمياً بحضور شمعون بيريس – الرئيس الإسرائيلي لاحقاً – عام 1990 .

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى