مذكرات يوسف صديق الضابط الذى أخطأ فأنقذ حركة الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو (2)

بيان

فى الجزء الأول الذى نشرناه من مذكرات “يوسف صديق” بطل الضباط الأحرار الذى أنقذ تحركهم ليلة 23 يوليو من عام 1952، أوردنا جزءا من روايته هو بنفسه بدءا من محطة انضمام “يوسف صديق” لتنظيم الظباط الأحرار وتكليفه – وهو قائد وحدة إدارية صغيرة مكونة من ٦٠ جنديًا ولا يزيد تسليح أفرادها على البندقية – بمهمة فى غاية الخطورة ليلة ٢٣ يوليو وهو الاستيلاء على القيادة العامة للجيش بكوبري القبة بينما وحدته كانت تعسكر في معسكر الهايكستب، وعندما حانت ساعة الصفر لتحرك قوات وحدة صديق ليلة الثورة، ووأصبحت القوة مستعدة للتحرك يتقدمها الأخير في “عربة جيب” بصحبة اثنين من ضباطه، حدث ما لم يكن في الحسبان.
وفى هذه الحلقة (الثانية) من مذكرات بطل ليلة الثورة، تفاصيل ما حدث.

                                                                              عاطف عبد الغنى

(2)

جاء الضابط عبد القادر محمد مهنا بخبر يوسف أن اللواء عبد الرحمن مكي في في طريقه الي المعسكر وهو على وشك الوصول، واللواء مكي هذا قائد الفرقة المعسكرة في الهايكستب ويعمل يوسف صديق تحت قيادته، وتحركه هذا بالطبع هو ضد حركة الضباط الأحرار.

كانت المفاجأة كبيرة وخطيرة، (فلو وصل هذا القائد إلي المعسكر فسوف تكون له السيطرة والكلمة العليا على الجنود والضباط بل على يوسف صديق نفسه، وكان على الأخير أن يتصرف بسرعة وقد تورط في كل الترتيبات السابقة ولم يستطيع التراجع، يقول يوسف صديق صفحة ٢٤: “وفي طريقنا إلي بوابة المعسكر أصدرت تعليماتي إلى سائق العربة أنه في حالة وقوف عربة سعادة اللواء ينزلون جميعًا من العربة ، ساهرين أسلحتهم في وجه القائد لا يحمل سلاحًا فهو يدير المعركة، ولكنني أثرت حملها عند اللزوم لما لها من أثر نفسي فلن يتصور أحد أنها بدون خزنة”.

وبالفعل لم تكد تصل قوات يوسف صديق إلي بوابة المعسكر خارجة منه حتي لمحوا سيارة القائد وقد أطل اللواء مكي منها برأسه يصرخ بصوت جهوري على طريقة السينما: وقف عندك يا جدع أنت وهو.. وقف عندك فأمر يوسف صديق سائقه أن يدخل في طريق معاكس حتى يواجه عربة القائد ويوقفها وهكذا ما حدث وتم أسر القائد الذي طلب تأمين حياته فوعده يوسف صديق بذلك وضم سيارته إليه “القول الذاهب” للسيطرة على القيادة العامة تحت حراسة عربة لوري تتبعها مع أوامر بإطلاق النار على عربة اللواء مكي اذا حاول سائقها الخروج عن خط السير أو الهروب.

طالع المزيد:

لكن وصول اللواء مكى إلي المعسكر بهذا الشكل أثار تساؤلات عديدة في ذهن يوسف صديق..
فلماذا؟ بخرج اللواء مكى في هذا التوقيت من الليل ومتجه بزيه الرسمي وعربة القائد الي المعسكر ؟ أو كيف اجتازت سيارته نقط حصار الضباط الأحرار المفروض أنها قامت بحصار الأسلحة المختلفة والمناطق العسكرية لمنع مرور غير الأحرار، وكان اندهاش يوسف صديق يزداد كلما زادت المسافة التي يقطعها من الطريق الي هدفه لأنه لا يجد أي أثر لقوات الضباط الأحرار على طول الطريق من معسكر الهايكستب حتي دخوله مصر الجديدة.

لكن الثقة التي كان قد اكتسبها الرجل في نفسه وقواته جعلته يجتاز مرحلة الشك ويواصل طريقه ليقابل قائدًا أخر من قواده هو الأميرالاي عبد الرؤوف عابدين قائد ثان الفرقة الذي اقترب من سيارة اللواء مكى فتقدم إليها ليأمره الأخير أن ينضم له في سيارته كأنه أراد بذلك أن يقاسمه الخوف والمصير الغامض، ويزيد التهم التى يمكن أن توجه ليوسف صديق – حال لا قدر الله فشل الحركة – تهمة أخرى.. وكان على يوسف أن يبدو متماسكًا أمام القائدين حتي لا يستردا منه سيطرته على القوات التي تعمل تحت قيادتهما.

 ……………

كانت الملابسات السابقة كلها تقول ليوسف صديق إن خطة القيام بثورة لم توضع موضع التنفيذ فماذا يفعل؟! هل يتراجع؟!

إن صلته بقيادة تنظيم الضباط الأحرار وواضعي الخطة مقطوعة فكن له بجمال عبد الناصر وكيف السبيل للإتصال به ؟

.. مهما يكن الأمر فقد قرر يوسف صديق أن يستولي على مبني القيادة العامة التي كان قد اقترب منها كثيرًا والدفاع عنها لأخر طلقة وأخر رجل ولم يكن أمامه حل غير هذا، وفي غمرة توتره وضيقه أمر سائق سيارته بالدخول في طريق خطأ وهو مازال يفكر كيف يتصل بجمال عبد الناصر، ويصف يوسف صديق هذه اللحظات فيقول ” كنت أسير في ظلمات.. ظلام الليل وظلام الجهل بما يجري وكانت أعبائي تزداد على الطريق، وصلتي بالقيادة التي تدير العمل منقطعة تمامآ فتمنيت على الله أن أتصل بجمال لعله يلقى بعض الضوء في هذه الظلمات الحالكة التي كنت أسير فيها واستجاب الله لأمنيتى”.

مجلس قيادة الثورة وفى أقصى اليسار يظهر يوسف صديق
مجلس قيادة الثورة وفى أقصى اليسار يظهر يوسف صديق
زر الذهاب إلى الأعلى