أسماء خليل تكتب: الفقر والعَيب

بينما كانت فتاة بالمرحلة الإعدادية تجلس وسط صديقاتها في فصلها، أثناء وجودها بإحدى الفترات التعليمية؛ إذ فُتح جزء من حقيبتها، ووقع منه رغيفٌ به جبن أبيض وحبات يوسفي صغيرة جدا انفرطت أمام الطالبات، رأى ذلك الموقف كل الحضور لأنها كانت تجلس بالصف الأول، توقفت المعلمة عن الشرح وقالت لها: أي فتاتي احملي ما وقع منكِ على الأرض، وانتظرت حتى تنهض الفتاة ولكنها لم تقم!!..

سرعان ما سألتها المعلمة: لماذا لم تتحركي وتأخذي أشياءكِ؟ ..قالت الفتاة وقد لمعت عيناها واحمر وجهها خجلًا: ليست أشيائي!!.. اندهشت المعلمة ولكنها لم تفكر طويلًا – وسط همهمات زميلاتها بأنَّ ذلك الطعام قد وقع من صديقتهن حقًّا- فقالت : يبدو أن العامل قد وضع ذلك الكيس في درج المقعد، وحينما تحركت زميلتكن وقع على الأرض، ثم انثنت وجمعت الطعام موضحة لطالباتها أنه نعمة من الله -سبحانه وتعالى – مهما قل ثمنه، واستكملت الشرح وكأنَّ شيئًا لم يكن، لكنها لم تنسَ يوما ذلك الموقف.

لا شك أن الطالبة لديها يقين أن “ الفقرَ عيبٌ”..من أين تعلمت ذلك وهو ليس بالمناهج الدراسية ؟!..من الواضح أن هناك مناهجا لم تضعها وزارة التربية والتعليم ولا الحياة، ولكن يضعها الناس بأعراف ساذجة بالية.. ليس عليها رقابة ولا قيود، والأهم أنها صالحة لكل العصور والأزمنة دون تعديل أو تطوير..

ماذا يعني وجود المال لدى البشر بالنسبة لله – سبحانه وتعالى – خالقهم؟!.. وللإجابة على ذلك السؤال؛ لابد من طرح سؤال قبله ليتجلَّى الأمر؛ هل يستطيع المرء أن يسير وسط الناس متجولا الشوارع بلا زينة؟!.. والجواب نعم ..باستطاعة أي فرد في العالم أن يكون وسط العالم بلا أي رتوش أو زينة، وسيحترمه الجميع ويمشي مرفوع الرأس بشكل طبيعي؛ وهكذا المال كإحدى نعم الله سبحانه التي أرسلها للناس.. إنه مجرد زينة.. لقوله “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”.. مجرد زينة يمكن الاستغناء عنها.. ولم يشترط على عباده سبحانه تواجدها معهم لكي يدخلوا الجنة؛ بل إنه جل في علاه ذم مُكتنزيها، حين قال “ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”.. إذن لماذا لا يحترم الناس الفقراء لعدم ارتدائهم حُلَّة مُزينة؟!..

لماذا أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا كلما تقدم الزمان؟!.. هل كلما صغُرت النفوس كبُرَت العُقَد النفسية؟!.. أين كان الأغنياء والفقراء حينما عاش العالم لعقود طويلة لا يعرفون العُملة، والناس سواء كلهم متساوون وليس هناك فقط سوى تبادل السلع تحت نظام المقايضة؟ !!.. لماذا أصبح جمع المال غاية لا وسيلة؟!.. أيُّ زينةٍ تلك التي تكسو لتخفي تماما ما تحتها من ثياب، ولا أحد يعلم إذا كان ثيابا ذا قيمة أم رثًّا؟!..

كل إنسان يولد على الفطرة، وأبواهُ ما يُمجِسانهُ أو يُهودانهُ؟!.. من أين أتى الناس بذلك الدين الجديد؟!.. دينٌ بلا صحُف ولا أوراق ولا نبيّ؟!.. إنه دين مُسيلمة الكذاب، الذي يطمس الهويَّة وجمال الروح والأخلاق الحسنة وكل الصفات الجميلة؛ ويظهر العطب ويحاول إقناع الناس بأن ذلك هو الجيد!!..

قديمًا قالوا: ابنوا أبنائكم ولا تبنوا بناياتكم!!.. في تلك الأزمنة التي كان فيها بناء الإنسان أهم من بناء مسكن يأويه، وكانوا يعلِّمُون أبنائهم القيم والسمو والمعنى الحقيقي للإنسان وقيمته التي لا تُقدر بمال، و بمرور السنين بات الاستخفاف بالإنسانية فطغت النظرة المادية.. أن تأوي الدنيا إنسانًا بلا مأوى؛ خيرٌ بكثير من أن تأوي إنسانًا بلا قلب!.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى