د. ناجح إبراهيم يكتب: يوميات عيادتي (18) المسيح بن مريم .. وأطباء اليوم
كتب د /ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان: “المسيح بن مريم .. وأطباء اليوم”وتم نشره في جريدة الوطن الثلاثاء وهذا هو نص المقال:
المسيح بن مريم .. وأطباء اليوم
• منذ فترة قريبة اتصل بي شاب مصري طلب مني اسم وعنوان دكتور جلدية متميز في القاهرة فدللته علي أستاذ متمرس ومخضرم في هذا التخصص, ذهب إليه في عيادته فوجد الكشف وصل عنده إلي 900 جنيها فقال لنفسه: لا مانع رغم ارتفاع الأجر.
• شرع في دفع المبلغ وإملاء بيانات المريض وجدت السكرتيرة أن المريض يمني الجنسية فقالت له: الكشف أربعة آلاف جنيه, ذهل الرجل وضيفه المريض اليمني, وقالا للسكرتيرة: ما الفرق بين المصري واليمني, وإجراءات الكشف عليهما واحدة, فلن يتكلف الطبيب شيئاً زائداً.
• قال المصري لها: ألا تعلمين أن اليمن كلها مدمرة وبائسة وهم فقراء من قبل ومن بعد, أما هذه الأيام فهم الأكثر فقراً ولا يتقاضون مرتبات, فهم يحتاجون التخفيض لا الزيادة الفاحشة التي تصل لخمسة أضعاف تقريباً.
• حاولت السكرتيرة إيجاد مبرر لهذه الزيادة الفاحشة واللا منطقية دون جدوى, وخاصة أن هذا التخصص سهل ويشخص بمجرد النظر وليس مثل الباطنة التي تدوخ حالاتها أفضل الأطباء.
• قالا لها: مبلغ الـ 900 جنيه زائد عن الحد لا سيما أننا عرفنا أن الأستاذ نفسه لن يكشف علي المريض بل ابنته وهي استشارية حديثة المستوي, قد تستحق 300 أو 400 جنيه علي الأكثر, أما أن يتضاعف المبلغ إلي أربعة آلاف, فهذا كثير, انصرفا معاً في حزن.
• والغريب أن هذا الأمر غير موجود في أي دولة في العالم, فأسعار العلاج في بريطانيا ثابتة للجميع البريطاني وغير البريطاني ولا تختلف من جنسية لأخرى.
• ذهلت شخصياً عندما قص عليَّ هذا الرجل هذه القصة, استغربت لسلوك هذا الأستاذ وخاصة أن تخصصه لن يكلفه سوى نظرة فتشخيص فكتابة الروشتة, ولن يكلفه مثل أطباء الباطنة سونار أو إيكو فيكون ذلك محسوباً ضمن مبلغ الكشف.
• إنني أعرف صديقاً لي من أكبر أساتذة الكبد في الإسكندرية وكشفه إلي اليوم 250 جنيه شاملة السونار الكامل علي البطن كله وليس الكبد فحسب, وأجر السونار فقط في مراكز الأشعة 300جنيها, وقد يتجاوز هذا المبلغ, وكأنه يفحص المريض مجاناً, وما أرسلت له يتيماً أو فقيراً إلا وتنازل له عن أجره في تواضع كبير.
• وأعرف أستاذاً يعد الأب الروحي للأمراض الجلدية بالإسكندرية وعلم أجيالاً من الأساتذة وهو أ.د/ سامي أبو زيد وكشفه لا يجاوز الـ 150 جنيهاً حتى الآن, ومحصلة حياته الدنيوية تتشابه مع صاحب الـ 900 جنيهاً ولكن موقفهما من الفقير والمحتاج مختلف, وموقفهما من العطاء والرحمة مختلف أيضاً .
• علمت أن بعض المستشفيات هنا في الإسكندرية وخاصة المستشفيات النفسية الخاصة تضاعف تكاليف العلاج أربعة أضعاف للمريض الليبي دون علة سوى الابتزاز الرخيص.
• أسفت لهذه الطريقة التي لا تحدث من التجار فضلاً عن الأطباء حملة الرسالة الإنسانية الرائعة, فالكشف علي المصري أو اليمني أو الليبي أو غيرهما سواءً ولا فرق بينهما.
• التوسط في كل شيء حسن وجميل, أن يكون للطبيب أجر دون مغالاة فاحشة ولا تمييز حتى لا تضيع من الأطباء رسالة الطب الإنسانية السامية.
• ولنا وللأطباء جميعاً قدوة حسنة في المسيح عليه السلام أعظم طبيب علي وجه الأرض فقد أحيا الموتى وأبرئ الأكمة “الذي ولد أعمي”, والأبرص “البهاق” والمشلول “الشلل النصفي والكلي”, وكلها أمراض خطيرة جداً ولم يستطيع الطب حتى اليوم علاجها, عالجهم السيد المسيح “عليه السلام” مجاناً ودون أجر, لن يكون الأطباء في زهد وورع المسيح ولا نريد منهم أن يكونوا في هذه الدرجة ولكن عليهم أن يقتبسوا نوراً من نوره, وقبساً من قبس زهده, وأن يتوسطوا في كل شيء وسيبارك الله لهم في الوسط, ويعوضهم في أولادهم وذرياتهم ويكرم أسرهم ويعافيهم.
• إنني أقرر وأنا في هذا العمر أنه ينبغي علي كل طبيب أن يقدم بين يدي عمله يومياً شيئا ً لله في أي صورة كانت, أن يتجاوز عن أجره مع مريض يتيم أو فقير أو يتجاوز عن جزء من أجره للأرملة أو المعدومين, وأن يجعل الجراح عملية صغيرة في الأسبوع وعملية كبيرة في الشهر مجاناً لمريض فقير .
• ولعل هذه الجراحة المجانية تكون سبباً في نجاح باقي الجراحات ومرورها بسلام وأن ترزقه دقة التشخيص لأنه في الأساس نور يقذفه الله في عقل الطبيب في لحظة ما أثناء الفحص “وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ”.
• في لحظة واحدة يلهمك الله التشخيص الصحيح وقد تظل حائراً فيه منذ بداية دخول المريض وفحصه حتى هذه اللحظة, وهذا النور يحتاج دقة العلم وأمانة الفحص ونوراً وهداية من السماء, وكم من أطباء مشاهير أخطأوا في تشخيص حالات كانت واضحة وسهلة وتسبب ذلك في مصائب للمريض والطبيب معاً.
• سلام علي المحسنين في كل مهنة.