أسماء خليل تكتب: «قول للزمان»
“ما أجمل زمان”، “لو الزمان يرجع”، “أياليت الزمان يعود يومًا”، “هو فيه أحلى من أيام زمان”.. هكذا يقول الناس، متناسين أن الأيام الماضية بالنسبة لك كانت الحاضر بالنسبة لغيرك، وأنت الآن تحيا بتلك الفترة الزمنية لتكن هي زمان المستقبل، و بمرور السنوات، ستقول عن تلك الأيام التي تعيشها “فين أيام زمان”!..
ليس الزمان هو ما كان يتسم بالجمال، ولكن الجمال الحقيقي هو ما كنت تمر به خلال حقبة زمنية معينة من حياتك، وبمرورها أصبحت تحمل ذكريات جميلة داخلك، لقد كنت أنت البطل، تخيل الدنيا بأشياء مادية فقط من أرض وسماء وزرع وبحر بلا أرواح يسكنونها.. ماذا كان سيشكل لك الزمان؟! ..
إنها الطبيعة البشرية التي اعتادت البكاء على الأطلال، بدلا من إعادة تدوير الأنقاض والبدء في البناء من جديد، إذا كان اليوم يحمل مشكلة ما على المستوى الشخصي أو العائلي أو لبلدك، فغدا ربما يحمل الكثير من المشكلات، وسرعان ما تجد نفسك قائلا :“فين أيام زمان”،،
لا بأس من أن يسترجع الإنسان الماضي، ليتعظ من أحداثه ويستمتع بذكرياته السعيدة التي تركت عميق الأثر في نفسه، ولكن أن يعيش باكيا على ما فات!.. ليس لديه أمل بحاضره ولا مستقبله، فهذا هو الأسوء، وأظنك عزيزي القارئ قابلت كثيرا من تلك النماذج، وبخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تجد صفحاتهم مليئة بالكُلية بالانتحاب والبكاء رثاءً على الماضي، بلا انتهاء لأيام مراسم العزاء!
سألتُ جدي يومَا وكان قد أتم الثمانين من عمره، هل تريد الزمان أن يعود يا جدي وترجع شابا صغيرا؟!.. ففاجأني بإجابته التي لم أكن اتوقعها، قائلا :“ياااااااااا.. تاني؟!”، واستكمل بأنه رغم مروره بأحداث جميلة وأيام أفراح وأوقات نجاحات لن ينساها؛ إلا أنه لا يريد العودة للوراء، مُعللا ذلك بأن كل مرحلة عمرية للإنسان ولها جمالها، وباستطاعته أن يستمتع بها..
أنت الآن في قلب الزمان.. أنت الآن تعيش بزمان المستقبل.. تحدَّ كل الظروف والعقبات والمعوقات، حاول أن تمنح نفسك مزيدا من السعادة بالنجاح والإصرار وكذلك بتدليل نفسك، لا تقول “أيام وتمر”.. فهل خلقنا الله – سبحانه وتعالى – لنعد الأيام كي تمر؟!.. لقد جعل الله لنا الأرض لنعمرها بالزرع الأخضر والعبادة والخير والسلام والمحبة..
لا تُعوِّل سعادتك وتقدمك بالحياة على الأيام الفائتة، بما تحويه من أشخاص ربما كنت تعتقد أنهم سر نجاحك، لا تقول لا يمكنني أن أفعل الآن ماكنت أفعله زمان!.. إذا علمت ما فعله الكثير من الأشخاص عبر الزمان؛ لن تقول بعد اليوم إنه فقط الزمان لو عاد للوراء لتقدمت أنا للخلف؛ فقد تزوجت السيدة خديجة – رضي الله عنها – سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وهي بالأربعين وهو بالعشرين من عمره، وبدأت حياتها معه، ولم تقل لو عاد بي الزمان وأنا ابنة العشرين لتزوجتك!..لقد بدأ الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – دعوته ورسالته بعدما أتم الأربعين، وخاض حروبه وهو في سن الخمسين،،.
هذا“ونستون تشرشل” من أعظم الشخصيات على مستوى العالم، كان من أكثر القادة المؤثرين في التاريخ، بعد عمر الستين قام بمعجزة التصدى للجيش الألماني بقيادة ادولف هتلر فى الحرب العالمية الثانية، وهو صاحب شعار لن نستسلم أبدا ثم، وحاز على جائزة نوبل فى الأدب بعد كثير من السنوات ولم يبكِ كثرا على الماضي والزمن.
“جوزيه سارماجو” كاتب برتغالي، عاني كثير من الفقر والأحداث المؤلمة في حياته، لم يضع السن والنظرة لتقدم الزمن أمامه، وبدأ العمل بالصحافة والأدب في سن متقدمة وحقق كل أهدافه بعد سن الستين، إذا نظر هؤلاء وغيرهم الكثيرون للماضي وجماله وأحداثه، وأنه لن تتكرر ايام السعادة والأمل؛ كانوا لم ينجزوا أي شيء في حياتهم.. لابد من عدم الالتفات للخلف إلا لاكتساب الخبرات وفقط، وليكن الحاضر هو المكان الحقيقي لتحقيق السعادة.