قل شكوتك: « قصة الأمس »

المحررة : أسماء خليل

“ هناك من يعيشون بالماضي يستعذبون شعورهم كضحيةٍ، ينحتون بالصخر لاسترجاع ما مضى، متناسين أنهم يهدمون الواقع بكل ما منحهم الله من قوة وقدرات، ولكن مَن يعلم الغيب وعلى اليقين أن السعادة الحقيقية حتمًا في طيات الماضي”.

أعتقد أن ما سبق هو مُقدمة فرضتها رسالة“ص. ع”، ذلك الزوج الذي يواجه أحداثًا مؤلمة، ربما له يد بصناعتها وربما لا، الأهم أنه قرر أن يبوح بما في داخله؛ علَّه يجد مَنْ يشاركه همومه، وفي تلك السطور آلامه النفسية التي حكاها في رسالته التى وصلتنى عبر البريد الإلكتروني.

ص.ع

“إنني تائهٌ بين الماضي والحاضر، لا أعلم كيف أبدأ، هل بقصة الماضي أم قصة الحاضر أم عن المُستقبل الذي لا أعرف عنه شيئًا، فأنا زوج قاهري في منتصف العقد الرابع من عمري، حاصل على مؤهل متوسط ولدي “ميكروباص” أعمل عليه سائقًا بين طرقات أقاليم الوجه البحري، وما بين الروحة والمجيء أتذكرُ طفولتي وأنا ما زلتُ أحبو وقد تمثلت أمامي صورة لرجل داخل إطار، تم تعليقها على أحد الجدران بالمنزل قيل لي إنه أبي، وأمٌ مكلومة تبكي على أطلال عقار مكون من خمسة أدوار ساندت أبي في بنائه،،

وكأن مكافأتها أن طلقها بعد نهاية الخدمة وتزوج بأخرى أجمل لتعيش بالبيت الجديد، عَملَت أمي على إثر تلك الأحداث عاملة نظافة بأحد المدارس الابتدائية، وكانت تقتاتُ من راتبها وعطف أولياء الأمور والمُعلمين عليها، تربيتُ في شقة صغيرة استأجرتها أمي لي ولبنتين تصغرنني بعدة سنوات هن أخوتي، نشأ كل منا فيما تبقى من حضن أمي بعد سعيها شقاءً طوال اليوم،،

كانت تغلق علينا الشقة بالمفتاح ولا أحد يقتحم علينا صومعتنا؛ لأنها كانت تخشى علينا من الشارع وما يحمله من مخاطر وذئاب ضارية، كان الناس يشكرون تربية أمي لنا وما غرسته داخلنا من قيم وأخلاق وهدوء النفس، فأحسنت الغرس..

كبرتُ وكبرت أحلامي في تأسيس منزل للزوجية خاطبًا ابنة الحلال، التي تملأ علىَّ حياتي وأكمل ما بدأ ينقصني من حرمان عاطفي، ساعدتني أمي في تأسيس مشروعي المتنقل، لأحمل الناس إلى مكان ذهابهم ويكُن إيابي ببضع جنيهات تحملني نحو المستقبل.. كانت ابنة الحلال خلف الباب بانتظارنا، هكذا كان وصف أمي لجارتنا الجميلة التي كانت تصغرُني بخمس سنوات، حيث كانت حينها ابنة الثامنة عشر وأنا ابن الثالثة والعشرين من سني عمري، كان أهلها في بحبوحة من العيش ولكنهم سرعان ما وافقوا بي لما اشتهرتُ به بين الناس من خجل وحسن خلق واحترام بالغ، وافقت الفتاة التي ما برحت تخرجًا من المدرسة الثانوية بمؤهل “دبلوم تجاري”..

تم عقد القران وسط زغاريد مُدوية وبهجة من كلا الأسرتين، وريثما دخلنا بيت الزوجية ولازمتنا السعادة، التي لم أكن أعلم أنها مؤقتة سرعان ما تزول، وبالفعل تغيرت أحوال زوجتي بمرور الشهور الأولى لحياتنا الزوجية، كانت تحصل على كل راتبي وتشتري ما تريد، وكانت رغبتي فيها حاجزًا بيني وبين فرض رجولتي لمنعها من بعض التصرفات.. أتذكر أنني وجدتها ترقص في أحد الأفراح التي كنا مدعويين إليها، أمام مرأى من النساء والرجال، استشطتُ غضبًا وأخذتها من يدها اصطحابًا إلى المنزل،،

لكنها استطاعت إقناعي- بتدللها الذي تعرف أثره في قلبي- وأثنتني عما كنت أنتويه، لا أعرف لماذا كنت أقوم بتنفيذ كل ما تريد، كنت أعلم أنها تستغل كل طاقاتي، حتى إن وجدتني أستريح يوما من عناء العمل، تقودني وكأنني مسحور لأقوم معها بتنظيف المنزل ورغم ذلك كنت سعيدا، فقد ملأ حلها قلبي حد الجنون، لم أعرف غيرها في حياتي، كان سحر عينيها يأسرني،،

ظللنا هكذا وأنا أحتسي العسل المسموم حتى أنجبنا ولدا وبنتا، وبعدها بدأت تتغير تماما أكثر وأكثر؛ فقد كان الجيران يلاحظون عدم احترامها لي وخروجها طوال اليوم، وأنا أجري لهثًا وراء لقمة العيش لأطعمها هي وصغاري، وطبعها التي يزداد سوءً يوما بعد يوم، حتى جاء اليوم الموعود ووجدتها فتحت باب الشقة، بينما كنت جالسا ألاعب صغاري، وتقول لي “أريد الطلاق”!!..

تعجبتُ من ذلك المشهد وخُيل لي أنني أحلم، ولكنها كررت ذلك مؤكدة طلبها، نظرتُ إليها مندهشا، وقلت كما يقول الرجال في ذلك الموقف: “نجوم السما أقرب لك”؛ لأجدها مُصرة على ذلك، وسرعان ما دخلت غرفتها تفتح حقيبتها وتملؤها بملابسها، اعتقدتُ أنها ذهبت لدار أبيها؛ لأكتشف فيما بعد أنها ذهبت لبيت رجل غريب كنت أعرفه معرفة عابرة ، ولكنه مشهور بالوسامة والشدة وسوء الخلق، جُن جنوني، تزَوَجتهُ عرفيا وهي ما تزال على ذمتي وقامت من فورها برفع قضية خُلع مني،،

نصحني الجميع بعدم محاولة الأخذ بالثأر فقد ألقت المرأة نفسها بحضن رجل بلطجي الطباع، ولكن زاد إصراري أن أستردها ولو قهرًا، كانت أمي – في ذلك الحين – خرجت على المعاش في التو، سعيت معها للحصول على مكافأة نهاية الخدمة، توسلت إليها لأخذ ذلك المبلغ لأنفقه في استرداد زوجتي التي وجدتُ نفسي لن أستطيع العيش بدونها، متناسيا أخوتي، عوَّلتُ في طلبي لأمي وجودي متربعا في قلبها قرة عينها، وبالفعل لم تجد بُدا في إعطائي المبلغ، ولكنها حينما ناولتهُ لي أعطتني معه نصيحة بالابتعاد عن طريق تلك الأفعى، وأن أهتم بمشروعي الذي يُدر علي دخلًا يجعلني ميسور الحال ويكفيني العوز،،
وعلى النقيض جعلتُ ذلك المبلغ ركيزة بدايتي لدى مكتب محامٍ شهير، وبعد رحلة طويلة بالمحاكم كانت فيها زوجة الأمس قد أخذت حذرها.. لم أستطع بالطبع أن أعيدها مرة أخرى.. تركتني للأبد أنا وابن وابنة لم يتجاوز أكبرهما الخامسة من عمره،، مرت الأيام ثِقالًا إلى أن قامت أمي بإحضار امرأة أخرى لتزورنا، وكأن هدفها أن تُعرِّفَنِي عليها بغرض الزواج، كانت امرأة جميلة حاصلة على دبلوم صناعي وتجيد التطريز والفنون اليدوية، تشعر أنها فنانة ريثما تنظر إليها،،

كانت متزوجة سابقا من رجل يعمل مقاولًا للبناء ولديها من يخدمونها، لم تثمر إحدى عشر عامًا مدة سنوات زواجها عن أي وليد، رغم محاولاتها الكثيرة لدى الأطباء، لكنها لم تُنجب، وجدتُها أنسب زوجة وأم جديدة لأولادي، وبالفعل تزوجتها، كم كانت حياتي سعيدة وبخاصة أن أولادي سيعوضونها عن فقدانها ممارسة الأمومة الحقيقية، نسيت في تلك الأيام الزوجة الأولى؛ إلى أن حدثت معجزة بعد عامين من زواجنا، وهو حمل زوجتي الثانية بتوأم.. وضح لنا الطبيب الأمر بأن زوجته لم يكن لديها مانعًا للإنجاب ولكن لسبب طبي هناك بعض الأشخاص لا تثمر زيجتهما عن حمل وإنجاب من عند الله،،

منذ بداية الحمل وبدأت زوجتي الرقيقة تتغير وصارت النسمات رياحا محاولة اقتلاع كل شيء، وكأن مأساتي الأولى تتكرر مرة أخرى بنفس مشاهدها، باتت تسيطر على كل ما أتقاضاه من عملي، بحجة أننا نريد التوفير من أجل ابنينا القادمَين بالطريق إلى الدنيا، وبدأت تتمنع عني، لم أعد ارَ أي مودة ورحمة، انقلبت الدنيا، وعندما أنجبت أصبحت تفضل أبناءها عن أولادي، وتهتم بنفسها وجمالها ولا تعيرني اهتماما، وإذا طلبتُ منها ولو كوب ماء رأيتها واجمة مقطبة جبينها،،

ما برحتُ أدور بنفس الساقية، أعمل طيلة النهار وأعود لمنزلي لأجد سيدة لا تبالي بأمري أنا وأولادي بل تمرر عيشتي، والأكثر من ذلك أن أمي حينما تأتي لقضاء يومين معنا بهدف رعاية أبنائي، تحرمها التجول في الشقة، وتغلق عليها الباب وتعاملها بشكل سيء، لا أعرف ماذا أفعل؟!.. هل أطلق تلك الأخرى وأبحث عن الثالثة مُخلفًا أبناء أبرياء بكل ركن من أركان الحياة؟!..

ماذا أفعل سيدتي؟!.. أفيدوني بحق الله،،

عزيزي “ص. ع”، كان الله بالعون..

إن تلك المشاهد التي قام بتأليفها مؤلف حاذق ماهر، وكان الحضور لا يتوقفون عن الضحك المتواصل بعد مشاهدتها، لم تكن بهدف التسلية وفقط، ولكن كان هناك هدفٌ من تلك الدراما الإنسانية التي تُبلغ عشرات الرسائل..

فمَن منَّا لم يُشاهد ذلك العمل الدرامي أو المسرحي، الذي يتم فيه تجسيد الزوجة مُسيطرة على زوجها طيلة حياتهما، وتجعله أضحوكة للعالم من حوله، ولا تنفذ له أي مطلب وتجعل أولاده لا يهابونه، وتمسك هي بكل زمام الأمور، وفجأة في نهاية العمل يرفع الزوج يده ويصفع زوجته صفعة على وجهها؛ فتبتسم على إثرها وتلقي نفسها بين أحضانه بكل فخر طالبة منه الصفح، ويُسدل الستار وسط ضحكات المشاهدين الذين ربما لم تصلهم الرسالة جيدا،،

لستُ أدعو بأية حال من الأحوال لأن تعود الأمور للوراء، ويكون الرجل قاسيا مُعنفًا زوجته كلما غدت أو عادت، ولكن عزيزي لابد من إدراكك ومعرفتك بعضًا عن طباع المرأة، لأن الأمر يهمك فهي شريكتك، إن المرأة التي تطالب ليلا نهارا بالمساواة بالرجل، لم تقصد المساواة التي تفهمها، ولكنها مجرد مطالب لمعاملتها أفضل بصورة بها احترام وحب وإشعارها بقيمتها، وتناشد الرجل أن يمنحها الاحتواء والعطف والمؤازرة في مشوارها تقديرا لجهدها المبذول..

لكن أعاذك الله إذا شعرت بعض النساء بالندية التي تجعلها في منزلة الرجل في كل شيء، سرعان ما تصبح رجلا وتنسى أنوثتها، ويعجبها تمثيل ذلك الدور، مُمسكة زمام الأمور آخذة سرج حصانها وتوجهه كيف تشاء لأي جهة حتى وإن كانت لمستنقع مياه راكدة،،

إن ذلك المفتاح الذي كانت تغلق به والدتك الباب حينما كنت طفلا، لتمنعك أنت وأخوتك عن رؤية الحياة، لم ينفرج بعد ليجعلك ترى الصورة أفضل، مازلت تحتاج لأن تفتح الباب لترى أكثر، عليك الآن فقط بأن تستلم دورك وتقوم بآدائه على أكمل وجه، كن رجلا عطوفا مُحتويا زوجتك محاولًا أن تمتعها على الموسع قدره كما أمرك الله سبحانه وتعالى، ولكن في نفس الوقت كن حاسما، لا تنس أنك أنت قبطان السفينة، وأنت المسؤول عن غرقها في أي وقت..

ما أغرق سفينتك الأولى هو عدم قيادتك بشكل جيد وسط بحر الحياة، وبعد غرقها بدلا من أن تحاول إنقاذها، ذهبت وأخذت كل أموال أمك المسكينة تقديرا لخدمتها بعملها طوال حياتها، وأهدرت أموالا وجهدا على سراب، وحينما تزوجت للمرة الثانية، كانت نفس فلسفتك في الحياة كما هي، فتكرر نفس الوضع، بل ازداد سوءً بزوجة أب لأولادك لا تجد من يردعها وهي تمرر عيشة أبنائك..

إليك عزيزي اهم أسرار المرأة، وهو أن أحب رجل إلى قلبها هو “الرجل القائد”، لا الرجل صاحب الشخصية الضعيفة، أو حتى الذي يعطيها أمواله بالكامل، ويسند إليها كل الأمور، فهي ربما لا تخلو نظرتها له من الاعتمادية والاتكالية، و بمرور الوقت تفقده القدرة على حسم قراراته حتى المصيرية منها، المرأة لا تحب أن تشعر بضعف الرجل وقلة حيلته. إنها على الدوام تحب أن تراهُ قويًّا مسؤولًا،،

قد تستغل بعض الزوجات ضعف شخصية أزواجهن فيمارسِن الهيمنة والتسلط والهيبة المصطنعة، وللأسف هذا ما حدث مع كلا زوجتيك السابقة والحالية، ووقعتَ في يد امرأتين من نفس النوع، فليست كل النساء هكذا..وعليك أن تتذكر جيدا أن الإفراط في العطاء يعلم الناس استغلالك، وكثرة التسامح تعلم الناس التهاون في حقك،،

ابدأ من الآن بقراءة التعويذة التي تفك اللعنة التي أصابت حياتك، كن إيجابيا امسك أنت زمام الأمور، اجلس مع زوجتك وحدد لها مهامها وواجباتها تجاهك أنت وأسرتك كلها المكونة من أربع أبناء في احتياج إلى هدوء الحياة والعيش وسط أسرة متحابة، حدد مبلغا من المال يكون مصروفا لزوجتك، وادخر الباقي فلديك أبناء لا تجعلهم عالة يطلبون يوما التصدق من الناس، كن حازما.. عطوفا، قويا.. لينًا، ضع حدودا للتعامل أولها أن أمك خط أحمر، ولا ينبغي على زوجتك أن تتخطاه، حاسب زوجتك في حال تقصيرها في حق أولادك من الناحية النفسية، وتذكر أن ما أنت به الآن هو نتاج أخطاء تربوية، فلا تكررها مع أولادك.

منحكَ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ أيضا:

الرفيق ثم الطريق

زر الذهاب إلى الأعلى