د. مجدي هاشم يكتب: حرب أوكرانيا.. ثم ماذا بعد ؟!
أوشكت الحرب التي تجري في أوكرانيا أن تبلغ عامها الأول في شهر فبراير المقبل وتشير بعض التقارير إلي احتمال أن تنتهي في شهر مارس القادم وهو افتراض لا يمكن التعويل عليه، وهناك توقعات أخري بأن هذه الحرب ستنتهي بالمفاوضات. ومن جانب آخر أعلن الرئيس بوتين أن روسيا لا بد أن تكسب هذه الحرب وهذا التصريح المنسوب إلي الرئيس بوتين يأخذنا في مضمونه إلي احتمال نشوب الحرب النووية في حال إن لم يستطع الرئيس الروسي كسب الحرب وهو ما يعني تهديد الأمن القومي الروسي بما يسمح باستخدام السلاح النووي للحفاظ علي البلاد.
وأيا ما كانت التوقعات بشأن هذه الحرب فأنه من المؤكد أن هذه الحرب هي صراع ما بين النظام العالمي الذي أسسته أمريكا منذ عام 1944 بموجب اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods Agreement والتي فرضت الدولار الأمريكي كعملة الاحتياطي الدولي والذي تتم به المعاملات التجارية بين الدول، وبين النظام الجديد الذي تسعي دول البريكس بزعامة روسيا والصين إلى تأسيسه.
وقد ألقت هذه الحرب بظلالها الكارثية على جميع بلدان العالم دونما استثناء بما في ذلك دول العالم النامي ومن بينها مصر، وأوقعت الدول النامية في مصاعب وأزمات مالية خانقة تتعلق بالدولار الأمريكي وتفاقم الديون الواجب سدادها بهذا الدولار، والتبادلات التجارية بهذا الدولار الذي تتحكم أمريكا في سعره من خلال فرض أسعار فائدة إقراض متزايدة، وشح السلع وزيادة معدلات التضخم بما قد يؤدي إلى الركود.
ولم تنجو أمريكا نفسها من الآثار الكارثية لهذه الحرب التي أشعلتها لدرجة أن “جانيت يلين” وزيرة الخزانة الأمريكية أعلنت عن تفاقم الديون الأمريكية حتي بلغت 31,4 تريليون دولار، وأن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها سيؤدي إلي أزمة مالية عالمية، لذلك قد تلجأ أمريكا إلي اتخاذ إجراءات قاسية ذات تداعيات اجتماعية شديدة وذلك لتجنب التخلف عن سداد الديون الأمريكية مثل تعليق المدفوعات الخاصة بصناديق التقاعد الفيدرالية (المعاشات) والتأمين الصحي وهما من أهم الامتيازات التي يعيش عليها المواطن الأمريكي وتضمن السلام المجتمعي.
وبالرغم من أن الأسواق الأمريكية لا تشهد شحا في البضائع، ولا نقصا في السلع إلا أنها تشهد ارتفاعا في الأسعار بنسب لا تقل عن 20% وقد تتجاوز 60% وخاصة في السلع الأساسية مثل اللبن والبيض والدجاج التي يعتمد عليها غالبية المواطنين في حياتهم وتدبير أمورهم المعيشية.
وعلي أي حال، فإن النظام العالمي الجديد الذي تسعي مجموعة البريكس بقيادة روسيا والصين لجعله يحل محل النظام الذي بموجبه تسيدت أمريكا العالم قد اشتد عوده وأصبح حقيقة واقعة وبات يشكل تهديدا حقيقيا على استمرار الهيمنة الأمريكية علي العالم، وراحت الكثير من دول العالم ومن بينهم مصر تنضم إليه.
ولقد أسس هذا النظام الجديد مؤسساته التي يعمل من خلالها وهي “بنك التنمية الجديد” في شنجهاي الذي بدأ عمله منذ عام 2018 ليكون بديلا عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير من أجل تمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة بدول تجمع «بريكس» وغيرها من الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية، ويبلغ رأس ماله نحو ١٠٠ مليار دولار وانضمت مصر لعضويته في نهاية العام 2021.
وكذلك تأسس صندوق الاحتياطي النقدي لدول البريكس ليكون بديلا عن صندوق النقد الدولي وليحمي الدول الأعضاء من الضغوط المالية العالمية في سوق العملات التي يتحكم فيها الدولار كعملة وحيدة للمعاملات التجارية الدولية.
وكذلك بادرت الصين إلي تأسيس نظام الدفع العابر للحدود بين البنوك وهو نظام تتم من خلاله المعاملات المالية للدفع بين أعضائه باستخدام عملتها الرسمية “اليوان”، وقد أنجز هذا النظام في عام 2021 عمليات بلغت قيمتها نحو 80 تريليون يوان (12.68 تريليون دولار)، وبلغ عدد المؤسسات المالية المشاركة في هذا النظام نحو 1341 مؤسسة في أكثر من 100 دولة مرتبطة بالنظام حتي يونيو من العام الحالي من بينها مصر.
لذلك فأن حرب أوكرانيا هي محاولة من أمريكا لمنع انهيار النظام العالمي الذي تسيطر عليه ويبدو أنها لن تفلح في ذلك حيث تتواتر الأنباء عن تحقيق روسيا لنجاحات وانتصارات مؤخرا، وعن استنزاف مخزون السلاح بكثير من دول الناتو وأمريكا أيضا والتي تدنت إلي حدود تؤثر علي قدرات تسليح جيوش هذه الدول، وفضلا عن المعارضة المتزايدة لشعوب أوروبا لاستمرار هذه الحرب.
ويجب التنويه بأن انضمام مصر لتحالفات النظام الجديد هو خطوة صحيحة وفي الاتجاه الصحيح إلا أنها ستعرضها لكثير من الضغوط، ويعد تشدد البنك الدولي في إقراض مصر والإصرار علي فرض شروطه ذات التداعيات السلبية علي المواطن المصري أحد أهم الضغوط والتي تأمل أمريكا وحلفائها أن تؤدي إلي تأليب الشارع المصري علي الدولة وإحداث الفوضى.
ولا خلاف علي أن هناك بعض فئات من المجتمع المصري قد تختلف مع الدولة حول توجهات التنمية، وأن أوضاعهم المعيشية لم تعد تجعلهم قادرين علي تحمل تكاليف الحياة، وقد أظهرت الأزمة الأخيرة التي تمر بها مصر أن الدولة راحت تتخذ من الإجراءات ما يساعد علي تقليل التباين في الآراء وعلي تجاوز هذه الأزمة وتداعياتها بالتوسع في المشروعات الصناعية للاعتماد علي الذات وللتخفيف من الفاتورة الباهظة للاستيراد، وتأجيل تنفيذ المشروعات المخططة والتي يعتمد تمويلها علي الدولار وغيرها من قرارات.
ومهما كان هناك من تباين في الآراء والتوجهات فأن الظروف الحالية تفرض علي المصريين دعم الدولة المصرية والوقوف ضد حملات التشكيك مهما تباينت بيننا وجهات النظر، فهذه الدولة تقود سفينة الوطن في ظل ظروف دولية شديدة التعقيد والتداخل والتغير، وفي خضم مخاطر سياسية واقتصادية إقليمية ودولية كبيرة، وتهديدات أمنية خطيرة تحوط بها من كل جانب شرقا وغربا وجنوبا.
حفظ الله مصر وأبنائها المخلصين واللهم ادحر كل من أراد بها سوءا.